استمع إلى الملخص
- في عام 2020، أخرج فيلم "Storm Over Brooklyn" الذي تناول مقتل يوسف هوبكنز، مسلطاً الضوء على الانقسامات الاجتماعية في بروكلين. وفي 2023، أخرج "Cassius X: Becoming Ali" عن حياة محمد علي.
- فيلم "MoviePass, MovieCrash" تناول سقوط شركة MoviePass، مستعرضاً التحديات الاقتصادية والعرقية، وانتهى بتسليط الضوء على إعادة إطلاق الخدمة والملاحقات القانونية.
عندما تكون حفيد الممثلة والشاعرة والناشطة المدنيّة روبي دي (1922 - 2014)، والمخرج والممثل الشهير أوسي ديفيس (1917 - 2005)، وتتحدر من الطبقة المتوسطة العليا في أميركا، فطريقك نحو عالم الفن وقضايا السود (الأفروأميركية كهوية) قد لا يتخطى ثلاثة أفلام وثائقية، بغض النظر عن جودتها، وهذا كان نصيب متعالي محمد (Muta'ali Muhammad).
بدأ محمد مسيرته الإخراجية بفيلمٍ وثائقي مكون من مجموعة مقابلات أجراها مع جدته روبي في سنوات حياتها الأخيرة، إضافةً إلى أرشيف لا بأس به من مقابلات جده وجدته في هوليوود، ومشاركاتهما في حركات السود الحقوقية. نرى أيضاً صوراً لهما مع محمد علي كلاي ومالكوم إكس وسبايك لي وأنجيلا باسيت، وكثير من المشاهير ذوي البشرة السوداء. الموضوع العام للفيلم كان خلاصة تجربة حياة جدته وجده ونصائح عامة عن الحب والفن والنشاط السياسي، هكذا ضمن علي انطلاقة آمنة ووصول مضمون إلى المهرجانات العالمية. على مدى ست سنوات لاحقة، حاول محمد الدخول في عالم التمثيل ولم ينجح. فشل أيضاً في السينما الروائية.
عاد عام 2020 بفيلم وثائقي على الطراز الكلاسيكي بالمعنى التقني (مقابلات جديدة مع المعنيين بالقضية وأرشيف من الصور والفيديوهات والمقابلات الصحافية). تناول الفيلم Storm Over Brooklyn قضية شائكة تعود إلى عام 1989، إبان مقتل المراهق الأسود يوسف هوبكنز على أيدي مجموعة من الشبان البيض. وتوسع بنطاق موضوعه ليشمل الضجيج السياسي حينها والانقسامات الاجتماعية والعرقية في بروكلين خلال الثمانينيات، وأثرها المستمر حتى اليوم على المجتمع النيويوركي، حتى وبعد مرور أكثر من 35 عاماً على القضية.
Cassius X: Becoming Ali فيلمٌ وثائقيّ آخر أخرجه علي عام 2023 عن الملاكم كاسيوس كلاي (محمد علي) وتحديداً عن حياته في الفترة الزمنية الممتدة بين عام 1959 إلى عام 1964. وذكر خلال العرض المفاصل الرئيسية في حياة محمد علي، كانتقاله إلى الإسلام والانقسام السياسي بينه وبين مالكوم إكس، وتغييره لاسمه. وحاول جاهداً قراءة هذا التطور بالانتقال من الرياضي إلى السياسي والاجتماعي، لكن الحال انتهى بخطابه ليكون شعبويّاً ممجوجاً فيه كثير من النظريات عن التنوير والوعي والفردانية.
أما فيلمه الأخير MoviePass, MovieCrash، فبدأ فيه بتدارك أخطائه السابقة والتخلص من الكليشيهات التجارية. قصته متماسكة مونتاجياً، يسلط الضوء فيها على قضية ما زالت ساخنة، تروى بسلاسة وتدفق وفيها بداية الصعود وقصة الصراع بما تحويه من مبادئ شخصياته ومرتكزات هوياتهم لتنتهي بشبه نصر، ومواد من الأرشيف يستخدمها لأول مرة كأداة للتحليل.
عرض الفيلم على "إتش بي أو" وتناول قصة أسرع سقوط لشركة تجارية في العصر الحديث، وهي شركة MoviePass التي أسسها ستايس سبايكس وهاميت وات، رائدا الأعمال الأسودان. تقدم الشركة للمشتركين بطاقة تشبه بطاقة الصرّاف الآلي لونها أحمر، تسمح لك مقابل مبلغ شهري أن تشاهد أي فيلم في أي صالة عرض وفي أي يوم. الخدمة هذه أتت امتداداً لمهرجان Urbanworld السينمائي (منصة عرض أفلام الملونين)، الذي أسسه سبايكس. الهدف الآخر هو التدخل كحائط صد ضد خدمات البث التدفقي، وتحديداً "نتفليكس" لحماية دور العرض، فكانت الخدمة ولسنوات طويلة وعداً بالنعيم لأي عاشق للسينما.
جمع ستايس وهاميت على مدى عقد من الزمن 20 ألف مشترك فقط (50 دولاراً كان الاشتراك الشهري حينها). ومع أول مشكلة ماليّة حدثت، اشترط أحد المساهمين الكبار في الشركة إدخال ميتش لوي (مسؤول تنفيذي سابق في نتفليكس)، وتيد فارنسورث (صاحب شركة HMNY لتحليل البيانات)، إلى مجلس إدارة الشركة. مع مرور الأيام، استحكم ميتش وتيد (رائدا الأعمال الأبيضان حسب توصيف الفيلم)، بمجلس الإدارة، وطردا ستايس وهاميت، وخرجا في مقابلات لا تعد ولا تحصى يتحدثان عن إنجازاتهما في الشركة وكأنها من بنات أفكارهما.
كان وعد ميتش أنه وفي حال حصول الشركة على 100 ألف مشترك خلال ستة شهور، فستغدق على الشركة ملايين الدولارات. تحول شعار الشركة حينها إلى أفلام غير محدودة في أي وقت وفي أي مكان مقابل 9.95$ شهرياً. كسبت الشركة 100 ألف مشترك خلال 48 ساعة. من فاتتهم فرصة الاستثمار مع "نتفليكس" خافوا أن يضيعوها مع MoviePass. بدأت الأموال تتدفق إلى الشركة، وارتفعت أسهمها بشكل لا مثيل له في تاريخ شركات الترفيه، وزادت نسبة الإقبال على دور العرض 12%، وطلبات المشتركين تسببت في انهيار التطبيق وموقع الشركة على الإنترنت أكثر من مرة. كل هذا الضغط تحمله سبعة موظفين يعملون في أسوأ الظروف، بينما ميتش وتيد يقيمان حفلات على اليخوت، كانت كلفة واحدة منها 250 ألف دولار، وستايس وهاميت يتابعان أسهمهما في الشركة وقد وصلت ثروة ستايس إلى 80 مليون دولار، لكنه لا يستطيع سحب دولار واحد قبل عام كامل حسب الاتفاقيات القانونية على أسهم الشركة.
يستغرق المخرج 40 دقيقة حتى يوضح الخلل في نموذج MoviePass، بعد تكثيف مشاهد المقابلات الصحافية التي أجراها ميتش وتيد، وكانا محترفين بتقديم إجابات غير مباشرة حول كيفية ربح الشركة. قال تيد إن بيع البيانات لدور العرض والإقبال الكثيف هما اللذان سيغطيان الخسارة المستمرة المقدرة بـ30 مليون دولار في الشهر الواحد. كان كثير من المشتركين يشاهدون الأفلام بلا توقف، ويستنزفون أموال الشركة. اقترح ميتش تعطيل بعض الخدمات في التطبيق وتأخير تسليم التذاكر، وهذا بالتأكيد خرق قانوني، فهو يحصل على المال مقابل خدمة لا يقدمها.
افترس رائدا الأعمال الأبيضان الشركة خلال ثمانية أشهر، وتبخرت قيمة الأسهم الوهمية عام 2019، وانتهت الشركة بكل ما للكلمة من معنى. تكشف لاحقاً أن هذه المغامرة غير المحسوبة ليست سوى واجهة لقضية اقتصادية حركت الرأي العام وأعادت قضية امتيازات الرجل الأبيض التجاريّة المطلقة إلى الواجهة.
شركة HMNY لتحليل البيانات كانت واجهة لشركة استثمارات غامضة اسمها Hudson Bay. تسحب هذه الأخيرة الأموال من صناديق التحوط ورأسمال المجازفة (1 - 3% للنساء والأقليات وما تبقى للرجل الأبيض أشيب الشعر)، وتشتري الشركات لتضارب على أسهمها وهي في حالة صعود صاروخي، فتصبح الشركة في البورصة هي القيمة وليس ما تنتجه من عمل أو أرباح. وضعت الشركة في المزاد العلني عام 2021، واشتراها ستايس من جديد، وأعاد إطلاق الخدمة. وبدأت الملاحقات القانونية لتيد وميتش وقد تصل عقوبتهما إلى 20 عاماً من السجن بتهم الاختلاس والنصب والاحتيال.
في العديد من المسارات، يسير الفيلم بسردٍ يمكن التنبؤ به لكنه ليس مملاً بسبب توسعه في النقاش ليشمل العنصرية في ريادة الأعمال، وكيف انتهت فرصة لم شمل جماهير السينما في دور العرض محترقة مثل روما في عهد نيرون، والأسلوب المثير للرجل الأبيض حين يروي قصته بحيادية كقصة تحدٍّ وصمود وإبداع.