رحلت الفنانة المصرية شريفة فاضل (1938 ــ 2023) صباح الأحد عن عمر 85 عاماً. وكتب ابن شقيقها طارق ندا على صفحته على فيسبوك: "توفيت إلى رحمة الله تعالى عمتي أم البطل الفنانة المرحومة شريفة فاضل...". ورغم اعتزالها قبل سنوات طويلة، تعتبر فاضل من الفنانات القليلات اللواتي بقين حاضرات على الساحة الموسيقية من خلال إعادة تسجيل أغانيها بصوت فنانين كثيرين. ولعلّ المثال الأشهر يبقى أغنية "حارة السقايين"، التي سُجّلت بصوت عشرات الفنانين، يبقى الأشهر بينهم طبعاً محمد منير.
ولدت وفيدة أحمد ندا، التي عرفت لاحقاً باسم شريفة فاضل، في القاهرة عام 1938، وهي حفيدة المقرئ الشهير أحمد ندا. وقد كان لوالدتها دور كبير في دعمها في عالم الغناء والتمثيل، في ظل رفض والدها التام دخولها هذا المجال. دفعها هذا الدعم إلى دخول عالم الفن وهي لا تزال صغيرة؛ إذ ظهرت لأول مرة على الشاشة في فيلم "الأب"، عام 1947، وعملت لفترة قصيرة في الإذاعة مع الإعلامي الشهير بابا شارو. تزوجت شريفة فاضل في شبابها المبكر من الكاتب والممثل السيد بدير، الذي طلب منها الاعتزال فنياً حتى قبل أن تبدأ مسيرتها الحقيقية. وبالفعل، رضخت له، وعاشت معه كربة منزل، وأم لولدين هما سيد (استشهد في حرب الاستنزاف وغنت له أغنيتها الشهيرة "أم البطل") وسامي. لكن، رغم خيار الاعتزال، بقيت عينها على عالم الفن، واختارت العودة إلى التمثيل، وهو ما أدى إلى طلاقها من السيد بدير. بالتزامن مع الطلاق، بدأت حياتها الفنية الحقيقية.
انطلقت شريفة فاضل في عالم الغناء كمطربة عاطفية عادية، فقدمت مع الملحن محمد الموجي في بدايتها أغنية "أمانة يا بكرة". بدا صوتها مميزاً وواعداً بمسيرة جيدة، وهو ما دفعها للتعاون مع باقي الملحنين الكبار، فقدّمت مع رياض السنباطي أغنية "زي النهاردة"، و"خليك بعيد" و"سيبك"، فكانت كلها أغاني ذات سوية فنية رفيعة، لكنها أصغر من حجم صوتها وقدراتها الغنائية.
هكذا، جاء التعاون مع منير مراد لينقلها إلى مساحة تشبهها أكثر، فبدأنا نستمع تدريجياً لصوت يغني بحرية أكبر ومتعة، نستمع إلى صوت شعبي مصري. هكذا، خرجت شريفة فاضل من إطار المطربة العاطفية التي تتشابه مع كل مغنيات تلك الحقبة، إلى مساحة المطربة الشعبية. فبدأت هذه المسيرة الجديدة مع أغنية "موال العشاق"، مازجة بين الإيقاعات الغربية والمصرية، واستطاع منير مراد أن يقدّم لنا أغنية شعبية جديدة، وصوتاً يفرض شخصيته على الساحة الفنية.
استمر تعاون شريفة فاضل ومنير مراد من خلال أعمال كثيرة لاحقة، أشهرها "فلاح كان فايت"، و"حارة السقايين"، و"وحياتك يا شيخ مسعود" وأغنية "آه من الصبر" (لما راح الصبر منه). وكانت تلك الأغاني كافية لنقل شريفة فاضل إلى مكانة متقدمة على الساحة الغنائية. وقدمت كذلك أغاني الأفراح، مثل "مبروك عليك يا معجباني" مع الراحل سيد مكاوي.
في السينما، شاركت فاضل في التمثيل في أفلام عديدة، مثل فيلم حمل نفس اسم أغنيتها الشهيرة "حارة السقايين" (1966، من بطولة محمد رشدي ومحمد عوض وإخراج السيد زيادة)، و"تل العقارب" (1985، بطولة نورا ويونس شلبي، وإخراج نيازي مصطفى)، و"امرأة حائرة/ الراعية الحسناء" (1974، بطولة ناهد شريف ونور الشريف وإخراج عاطف سالم)، و"سلطانة الطرب" (1978، بطولة سمير صبري وفريد شوقي، وإخراج حسن الإمام)... وغيرها من الأفلام.
لكن السينما والموسيقى لم تكونا كافيتين لها، بل إن حبها للغناء المباشر على المسرح دفعها إلى افتتاح كازينو شهير في الهرم، حيث كان يغني أهم المطربين المصريين وقتها.
نعود إلى مسيرتها الغنائية. شكلت أغنيتها "أم البطل" رابطاً خاصاً بينها وبين جمهورها المصري والعربي؛ إذ غنتها بعد أشهر عدة من مقتل ابنها سيد في حرب الاستنزاف. وقد حققت الأغنية نجاحاً كبيراً لم تعرفه أي أغنية في تلك الحقبة، أولا لأنها تخلط بين مشاعر أم حزينة على فقدان ولدها، وأم فخورة باستشهاده دفاعاً عن الوطن، ثانياً لأنها أم شهيد حقيقي وهي من تغني الأغنية بكل انفعالاتها وحبها وحزنها. لذلك، تعتبر "أم البطل" واحدة من أهم الأغاني الوطنية في مصر حتى وقتنا الحالي.
أما الأغنية الثانية التي ربطت اسم شريفة فاضل بالذاكرة الشعبية المصرية؛ فهي "لسه بدري يا شهر الصيام". فبينما كان المصريون يستقبلون رمضان بصوت الفنان الكبير محمد عبد المطلب وأغنيته الشهيرة "رمضان جانا"، فإنهم حتى اليوم يودعون شهر الصوم على صوت شريفة فاضل وهي تردد "تم البدر بدري والأيام بتجري والله لسه بدري والله يا شهر الصيام".
اعتزلت شريفة فاضل في التسعينيات واختفت تدريجياً عن الأضواء، وتركت لجمهورها تاريخاً جميلاً من الأغاني الشعبية المصرية التي تشبه الشارع، وتشبه ناسه. لذلك، لا تزال هذه الأغاني موجودة حتى اليوم، ترددها الإذاعات وتحفظها مختلف الأجيال. ولعل الدليل الأكبر على نجاحها هو إعادة تسجيل قسم كبير من أغانيها من قبل فنانين، بعضهم ربما ولد بعد اعتزالها.