منذ أن انضم ديف شابيل إلى "نتفليكس"، كمنتج منفّذ لعروض الـ ستاند أب كوميدي، انفتح الباب أكثر أمام الكوميديا للاحتفاء بها، إذ استضافت المنصة الأميركية، أخيراً، الكوميدي المخضرم إيرث كويك، بتقديم من شابيل بنفسه. كما بثت الشبكة، قبل أيام، عرض "لقاء العمالقة: تكريم أساطير الكوميديا الارتجالية" (The Hall: Honoring the Greats of Stand-Up)، الذي صُوّر ضمن مهرجان "نتفليكس مزحة"، المقام الشهر الماضي في هوليوود.
تكمن أهمية هذا العرض، بأنه يفتتح أول صالة لأساطير الكوميديا (مشابهة لتلك الخاصة بالروك والبلوز والتمثيل وغيرها..)، تلك التي دشنها أربعة؛ جون ريفيز، وريتشارد براير، وروبن ويليامز، وجورج كارلين. تمثّل هذه الصالة نتاج تأهيل جناح في المركز الوطني للكوميديا، ليكون مقرّ عظماء هذا النوع من العروض. الهدف من ذلك، الاعتراف بـ الستاند أب كوميدي كفن مستقل، وتقديم التكريم اللائق لرواد هذا الفن، الذين تركوا عالمنا. والأهم، ترسيخ دور "نتفليكس" بوصفها المنصة التي أخذت على عاتقها النهوض بهذا الشكل الفنّي.
لا يقتصر التكريم على مدى "إضحاك" كل كوميدي، بل دوره في الارتقاء بهذا الفن، وترسيخ دعائمه. مثلاً، يقدم جون ستيوارت، الأسطورة جورج كارلين، عبر ذكرى حادثة "الكلمات السبع الممنوعة"، التي أدخلت كارلين التاريخ الأميركي. لكن الأهم في تجربته، امتهانه للـ ستاند أب، حسب تعبير ستيوارت؛ أي لم تكن هواية أو عملاً جانبياً، إذ كان كارلين يستيقظ كل صباح، ليكتب ويعمل، إلى حد أنه اشترى منزلاً وأعال أسرته من هذه المهنة؛ أي حقق نفسه كفنان، وتمكن من الاستقلال المادي وتحويل الكوميديا إلى وسيلة للعيش.
يبدأ بعدها تكريم روبن ويليامز، الذي منح كل دور لعبه أكبر كمية من "الطاقة" والحساسية، حتى لوكان الدور صغيراً. هذا الرأي الذي قدمه جون مولايني ليس فيه مبالغة، لكن أهم ما حاول مولايني قوله هو نفي الأسطورة التي تقول إن الكوميديين كائنات بائسة، ووراء كل كوميدي مأساة وحزن عدمي عميق، في إشارة إلى انتحار وليامز المفاجئ، إذ يقول مولايني ببساطة إن الكوميديين يراهنون على إضحاك الآخرين، الشأن الذي يمدهم بالحياة، لكنهم ليسوا منهكين من الحياة، ويجب أن نقرأ ما وراء ضحكاتهم، وننتظر لحظة انهيارهم.
تعتلي الكوميدية تشيلسي هاندلر بعدها الخشبة، لتعرفنا إلى جون ريفيرز؛ الكوميدية ومقدمة برنامج "شرطة الأزياء"، تلك التي عرفت بانتقادها اللاذع للمشاهير وأشكالهم وحياتهم الخاصة والعلنية؛ فريفيرز لم تهادن في آرائها اللاذعة، لأنه ببساطة ما من أحد فوق الانتقاد، مهما كانت مكانته.
ينتهي العرض باعتلاء ديف شابيل الخشبة، ليكرم الكوميدي ريتشارد براير، ذاك الذي سخر من طفولته القاسية، وأشار إلى التمييز العنصري من دون أي خجل أو خوف، ليكون واحداً ممن مهدوا الطريق أمام الكوميديين السود، وأكدوا أنه من حق الكوميديين أن يطلقوا النكات حول كل شيء، من دون خوف من الصوابيّة السياسية، أو مشاعر فئة معينة من الناس؛ فالكوميديا لا تعرف حداً، ولا مقدساً.
يضاف إلى أهمية هذا العرض توقيت بثه؛ فالهجمات التي يتعرض لها الكوميديون، كديف شابيل وكريس روك، وحملات الإلغاء، وسلطة الصوابية السياسية، لم تهدد فقط هذا الشكل الفني، بل مهنة الكوميدي نفسها في السينما والمسلسلات، وأصبح الحذر والخوف من الإلغاء وجرح المشاعر عائقاً حقيقياً. الواضح أن "نتفليكس"، التي لم تتخلّ عن شابيل بالرغم من الهجمة التي يتعرض لها، تحاول أن تنتصر للضحك، في موقف سياسي واضح، مفاده أن جرح المشاعر لا يعني الإلغاء أو تكميم حرية التعبير أو استعراض الآراء المتنوعة.
يمكن القول أيضاً إن الكوميديين يحاولون تشكيل تجمّع لصون حقوقهم والحفاظ على أعمالهم، خصوصاً أن الإلغاء لم يعد شأناً تسهل العودة منه. وتجربة عودة لويس سي. كاي، بعد إلغائه، لا يمكن للجميع القيام بها. صحيح أنه يقوم الآن ببيع عروضه مباشرة للمشاهدين عبر موقعه الرسمي، لكن هذا الأسلوب لا يصلح للجميع، ونتحدث هنا عن أولئك الأقل شهرة، والذين ما زالوا في بداية الطريق. لعلّ "تحالفاً" كهذا بين الكوميديين المخضرمين، قد يتحول مستقبلاً إلى مساحة آمنة للضحك والعمل، من دون الخوف من خسارة لقمة العيش.