بينما يحتفل العالم اليوم باليوم الدولي للمرأة، يواصل الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة التي يشنها على الفلسطينيين في قطاع غزة، والتي تدفع فيها النساء ثمناً باهظاً. في الوقت نفسه، تواصل عشرات الصحافيات هناك توثيق الجرائم الإسرائيلية بحق شعبهن، متحديات الاستهداف المتواصل لهن ولزملائهن منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي المتواصل، نزحت العشرات من الصحافيات الفلسطينيات من منازلهن لأجل التغطية الصحافية، عدا عن فقدان بعضهن لأرواحهن جراء قصف قوات الاحتلال، وإصابة الكثيرات منهن بجراح متفاوتة. ويواجهن صعوبات في التواصل مع عائلاتهن نتيجة الغياب لفترات طويلة، إلى جانب فقدان عدد منهن لمنازلهن ولأفراد من عائلاتهن جراء القصف الإسرائيلي على مختلف مناطق القطاع.
وعلى مدار الحروب الإسرائيلية على غزة خلال الفترة ما بين 2009 إلى 2023، فقدت آلاف النساء الفلسطينيات أرواحهن نتيجة للاستهداف الإسرائيلي، عدا عن إصابات عشرات الآلاف بجراح متفاوتة.
وتتحدث الصحافية الفلسطينية آلاء الشيخ سلامة عن الصعوبات التي تتعرض لها الصحافيات الفلسطينيات، في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي للشهر السادس على التوالي وتكرار عمليات النزوح من مكان لآخر.
وتقول آلاء الشيخ سلامة، لـ"العربي الجديد"، إن "تجربة الحرب هي الأصعب على المرأة الفلسطينية، من ناحية النزوح من مكان لآخر، علاوة على عدم توفر الخصوصية وحالة النقص في مختلف متطلبات الحياة سواء المياه أو الطعام".
وتضيف الشيخ سلامة أن النساء الفلسطينيات لجأن للاعتماد على الأدوات البدائية في تفاصيل حياتهن اليومية، مثل استخدام الحطب والغسيل اليدوي في ظل افتقار القطاع لمقومات الحياة اليومية، علاوة على ضغوط العمل التي تواجهها هي وزميلاتها في الميدان، حيث تنعدم مقومات العمل الصحافي في ظل الاستهداف الكبير للصحافيين وفقدان الإمكانيات الميدانية في ظل عدم توفرها من قبل الجهات الحكومية أو النقابية.
وتلفت إلى أن الحرب الإسرائيلية الحالية على القطاع تطرح تساؤلات حول مدى توافر الحماية الكافية للمرأة الفلسطينية عموماً والصحافيات على وجه الخصوص من قبل المؤسسات النسوية والحقوقية والمجتمع الدولي.
أما الصحافية الفلسطينية مهى شهوان فواجهت خلال هذه الحرب معضلات عدة، لعل أبرزها قصف منزلها والنزوح المتكرر ما بين مناطق عدة في مدينة غزة، مروراً بمنطقة الزهرة، وانتهاء بالمناطق الجنوبية للقطاع.
وتقول مهى شهوان، لـ"العربي الجديد"، إن "الحرب الإسرائيلية الحالية تبدو مختلفة بالنسبة للصحافيات والنساء الفلسطينيات، وتجعل الحديث عن يوم المرأة العالمي أمراً غير وارد". وترى شهوان أن يوم المرأة العالمي فرصة من أجل تحرك المؤسسات النسوية العاملة في مختلف المناطق الفلسطينية أو العربية والدولية لوقف الانتهاكات الإسرائيلية المتصاعدة بحقهن منذ بداية حرب الإبادة على غزة.
وتفتقد شهوان في هذه الأيام منزلها المدمر بشكل كامل إلى جانب المكتب الذي كانت تعمل فيه والذي دمرته قوات الاحتلال هو الآخر، ما تسبب في توقفها عدة مرات عن العمل، علاوة على توقف شبكات الاتصالات والإنترنت عدة مرات بفعل القصف الإسرائيلي. وتشير إلى أنها اضطرت للتوقف عدة مرات عن العمل بسبب استهداف الصحافيين والخشية على نفسها وعائلتها، في ظل تكرار عمليات النزوح من مكان لآخر، بفعل القصف والعملية البرية التي ينفذها الاحتلال.
وتخشى شهوان على عائلتها التي لم تتمكن من النزوح من مناطق شمالي القطاع، التي تواجه حرب تجويع، بفعل منع الاحتلال إدخال مساعدات الإغاثة لغزة وفقدان العشرات أرواحهم، وهو ما يجعلها تعيش حالة من الرعب مضاعفة.
وتصف مراسلة تلفزيون سوريا في غزة، شروق شاهين، الحرب الحالية بـ"الاستثنائية". وتضيف متحدثة لـ"العربي الجديد": "لم نتخيل أن نعيش يوماً واحداً كالذي نعيشه الآن وسط هذه الحرب".
وتتحدث شاهين عن تنقّلها بين مختلف مناطق القطاع، ونزوحها من منزلها ما "جعل الظروف أكثر خطورة وصعوبة". وتصف المعاناة التي تعرضت لها، إن كان خلال إقامتها في مستشفى شهداء الأقصى حيث "كانت تنام في خيمة من قطع قماش خصصت للنساء، ثم انتقلت إلى خيمة خصصت للصحافيات". وتتطرق إلى الصعوبات التي تواجهها كامرأة على الصعيد الصحي أو خلال فترة الدورة الشهرية، في ظل انعدام المرافق الصحية والاحتياجات الضرورية.
وتقول إن أصعب ما في الحرب هو "أن تترك بيتك وحيّك ومكان عملك وعائلتك"، فالنزوح تجربة لم يختبرها الصحافيون والصحافيات في الحروب السابقة. وتضيف: "نريد فقط العودة إلى بيوتنا، ولو أنها أصبحت أنقاضاً".
ووفقاً لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، فإن أكثر من 4 من كل 5 نساء (84 في المائة) أسرهن تأكل نصف الطعام أو أقل، مقارنة بما قبل الحرب الإسرائيلية المتواصلة. وتتولى الأمهات والنساء البالغات مهام جلب الطعام، ولكنهن آخر وأقل من يأكل في الأسرة. وذكرت الأمم المتحدة أن ما يقرب من 9 من كل 10 نساء (87 في المائة) يجدن صعوبة أكبر في الحصول على الغذاء مقارنة بالرجال، وتلجأ بعض النساء الآن إلى البحث عن الطعام تحت الأنقاض أو في صناديق القمامة، وأن 10 من أصل 12 منظمة نسائية تعمل في غزة جزئياً وتوفر خدمات الاستجابة الطارئة الأساسية. وعلى الرغم من الجهود الاستثنائية التي بذلتها تلك المنظمات، فقد خُصص أقل من 1 في المائة من التمويل الذي تم جمعه من خلال النداء العاجل لعام 2023 إلى منظمات حقوق المرأة الوطنية أو المحلية.
من جانبها، تلفت الصحافية ربى العجرمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "واحدة من أبرز الصعوبات هي أن الجميع في هذه الحرب مستهدف، بغض النظر عن هويته أو جنسه أو طبيعة عمله، فالاحتلال يستهدف الكل فقط لكونهم فلسطينيين". وترى أن استشهاد 25 ألف امرأة وطفل في غزة منذ السابع من أكتوبر "يعكس الاستهداف المركّز من الإسرائيليين على إحدى الركائز الأساسية للمجتمع الفلسطيني". وتستنكر غياب الخطوات الفعلية على الصعيد الدولي من أجل وقف الجرائم والمجازر التي تتعرض لها الفلسطينيات عامة، والصحافيات منهن تحديداً.
يذكر أن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة وثّق استشهاد أكثر من 132 صحافياً وعاملاً في مجال الإعلام منذ السابع من أكتوبر، واعتقلت قوات الاحتلال عشرات الصحافيين، هذا فضلا عن إطلاق تهديدات وتنفيذ اعتداءات وشن هجمات إلكترونية ضدهن. كما قتلت قوات الاحتلال الكثير من أفراد عائلات الصحافيين الذين يغطون العدوان المتواصل.