لم يكن استهداف الصحافيين الفلسطينيين والمؤسسات الإعلامية، خصوصاً في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر، مفاجئاً للمؤسسات العاملة بمتابعة الحريات الإعلامية، لكنّ ما يتضح لها أنّ إسرائيل تريد من تلك الجرائم منع التغطية وعدم نقل صورة ما يجري من جرائم واعتداءات بحق الفلسطينيين إلى العالم خلال العدوان الأخير على الشعب الفلسطيني، سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية، بما فيها القدس.
خلال مايو/ أيار الجاري، انتشر كثير من مقاطع الفيديو التي تظهر قوات الاحتلال تعتدي على صحافيين أو تمنعهم من التغطية، خصوصاً في القدس. ووثقت المؤسسات التي تعنى بالحريات الصحافية خلال العدوان الأخير في الضفة الغربية بما فيها القدس وكذلك في قطاع غزة، عشرات الاعتداءات والجرائم بحق الصحافيين، من بينها إصابات وشهداء، وقصف مقرات مؤسسات إعلامية وقصف منازل صحافيين في غزة.
مستهدفون من مسافة قريبة
خلال تغطيته المواجهات التي اندلعت في الثامن عشر من الشهر الجاري على حاجز حوارة العسكري المقام جنوبي نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة، أصابت قوات الاحتلال الإسرائيلي المصور الفلسطيني جمال ريّان في ساقه، بعدما أطلق أحد جنود الاحتلال الرصاص الحيّ في اتجاهه بشكل مباشر. يقول ريّان لـ"العربي الجديد": "نحو الخامسة مساء (2 بعد الظهر بتوقيت غرينيتش) وبعدما وصلت إلى حاجز حوارة بدقائق، وبدأت ببث المواجهات بشكل مباشر، استهدفني أحد جنود الاحتلال برصاصة من النوع الحيّ في الساق، جاءت في الجهة الخلفية للركبة، ودخلت في اللحم ثم خرجت منه".
لم يكن جندي الاحتلال الذي أطلق النار على ريان بعيداً عنه سوى نحو 20 متراً، ما يعني أنّه كان يستهدفه بشكل مباشر، ويسعى لأن تكون الرصاصة مؤذية تتسبب بإعاقة، وفق ما يؤكد المصور. ويقوم ريّان ببث المواجهات على صفحته الخاصة بموقع التواصل "فيسبوك" وعادة ما تقوم وسائل إعلامية وفضائيات عدة بنقلها عنه، لكنّه هذه المرة لم ينجُ من استهداف الاحتلال.
مصرّون على التغطية رغم إصابتهم
هذا الاستهداف للصحافيين لم يمنع مصور صحيفة "الأيام" الفلسطينية في رام الله، أحمد العاروري، من العودة إلى ميدان المواجهات لتغطية الأحداث، فرغم إصابته في 14 مايو/ أيار الجاري، مع مصورين صحافيين آخرين هما: هشام أبو شقرة، ومعتصم سقف الحيط، بالرصاص المعدني خلال مواجهات اندلعت على المدخل الشمالي لمحافظة رام الله والبيرة، وسط الضفة الغربية، حيث مستوطنة "بيت إيل" المشيدة على أراضي الفلسطينيين هناك، وعلى مدخلها الحاجز العسكري الذي يُستهدف منه المتظاهرون الفلسطينيون، فقد عاد العاروري في اليوم التالي كي يغطي الأحداث مجدداً، فأصيب مرة أخرى بالرصاص المعدني في قدمه. يقول العاروري لـ"العربي الجديد": "لقد كانت الإصابة من مسافة قريبة على بعد عشرات الأمتار، وباستهداف مباشر، وللأسف فقد أصيب مفصل القدم، أي أنّ الإصابة بالعظم، ما يمنعني من المشي لفترة".
شارات الصحافة المستهدفة
رغم أنّه كان يرتدي الملابس التي تشير إلى اللباس الخاص بالصحافيين وما يتبع ذلك من معدات للسلامة تؤكد أنّ الشخص صحافي، فإنّ ذلك لم يشفع لمصور "فرانس برس" الصحافي الفلسطيني جعفر اشتية، فأصابته قوات الاحتلال برصاصة إسفنجية في الكتف، خلال تغطيته المواجهات التي اندلعت على حاجز حوارة مساء الرابع عشر من الشهر الجاري. يقول اشتية لـ"العربي الجديد": "كنت أغطي المواجهات نحو الثامنة من مساء يوم الجمعة (14 مايو الجاري)، وكنت بعيداً عن جنود الاحتلال مسافة أقل من 100 متر، ورغم أنّني كنت أرتدي ملابس السلامة المهنية، ويتضح أنّني مصور صحافي من خلال الكاميرات التي أحملها، فإنّ أحد جنود الاحتلال استهدفني برصاصة إسفنجية أصابت كتفي الأيمن". يلفت إلى أنّ هذا الرصاص الإسفنجي هو "نوع جديد من الرصاص يتسبب بكدمة كبيرة، وتمزق في الجلد والعضل، ويدوم ألم الإصابة به وقتاً طويلاً".
يرى اشتية أنّ استهداف الصحافيين واضح ولا يحتاج إلى أيّ إثبات سوى رصد عدد المصورين المصابين في كلّ يوم مواجهات تقريباً، ويقول: "كلّ يوم فيه مواجهات يصاب العديد من الزملاء بالرصاص المعدني، وقنابل الصوت والغاز بشكل مباشر في الجزء الأعلى من الجسد والوجه، بهدف إلحاق أكبر أضرار بالصحافيين".
خسائر كبيرة وخطيرة للمؤسسات
وثقت مؤسسات الحريات الصحافية عشرات الاعتداءات والجرائم، منها قصف مقرات 30 مؤسسة إعلامية دولية ومحلية وعربية، في قضية خطيرة يواجهها الإعلام خلال التغطية الأخيرة. وفي هذا الإطار، يقول مسؤول وحدة الرصد والتوثيق في مركز مدى للحريات الإعلامية، غازي بني عودة، لـ"العربي الجديد"، إنّ خطورة ذلك تتمثل في إخراج عشرات الصحافيين والمؤسسات عن خط عملهم وتغطيتهم الإعلامية، وكذلك تكبيد تلك المؤسسات خسائر. وبحسب بني عودة، فإنّ ثمة قضية أخرى خطيرة نتيجة لذلك، إذ إنّ بعض المؤسسات الصغيرة، لا سيما المحلية، مهددة بالخروج من قطاع الإعلام، كما أنّ بعض المؤسسات الإعلامية ستكون حذرة من فتح مكاتب لها في قطاع غزة مستقبلاً.
وسجل مركز "مدى" عشرات الاعتداءات والجرائم التي ارتكبها الاحتلال وأذرعه المختلفة بحق الصحافيين الفلسطينيين، خلال العدوان الأخير على قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، كان من بينها إصابات نتج عنها جرح أو استشهاد في قطاع غزة نتيجة القصف، أو إصابات نتيجة الاعتداءات وقمع التظاهرات بالضفة الغربية بما فيها القدس. مركز "مدى" سجل خلال العدوان الأخير على قطاع غزة استشهاد الصحافيين يوسف أبو حسين، وعبد الحميد الكولك، بعد قصف منزليهما، كما تسجيل إصابات عدة نتيجة القصف، وسُجلت إصابات لصحافيين خلال قمع التظاهرات والاحتجاجات في الضفة الغربية بما فيها القدس، إما بالضرب أو الإصابة بقنابل الصوت أو الغاز أو بالرصاص الحي أو المعدني المغلف بالمطاط.
15 نوعاً من الاعتداءات والجرائم
وثق مركز "مدى للحريات الإعلامية" على مدار السنوات العشر الأخيرة 15 نوعاً من اعتداءات وجرائم الاحتلال بحق الصحافيين، 50 في المائة منها اعتداءات جسدية، بينما سجلت مؤسسات تعنى بالحريات الإعلامية على مدى الأعوام الواحد والعشرين الماضية استشهاد 45 صحافياً وتسجيل مئات الاعتداءات السنوية على الصحافيين من قبل الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، وخروج عشرات الصحافيين من قطاع الإعلام طوال تلك السنوات بعد إصابتهم واستهدافهم.
وفي هذا الشأن، يؤكد مسؤول وحدة الرصد والتوثيق في مركز مدى للحريات الإعلامية، غازي بني عودة، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ إفلات مرتكبي الجرائم من أذرع الاحتلال المختلفة بحق الصحافيين على مدار السنوات الماضية، جعل الجرائم سهلة وتتكرر، مطالباً بضرورة التحقيق في تلك الجرائم وتحرك المؤسسات الدولية وخاصة التي تعنى بحرية الصحافة من أجل متابعتها ومعاقبة مرتكبيها وملاحقتهم.
ولم تكتفِ قوات الاحتلال بقمع الصحافيين وإصابتهم وقتلهم وقصف مؤسساتهم ومنازلهم، خلال العدوان الأخير، بل طاولتهم بالاعتقال، إذ تؤكد مسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني، أماني السراحنة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّه جرى اعتقال الصحافي محمد نصر عصيدة، من منزله، في بلدة تل غرب نابلس، شمالي الضفة الغربية، والصحافي حازم ناصر خلال عمله، وهو من ضاحية شويكة، شمالي مدينة طولكرم، شمالي الضفة، فيما تلفت السراحنة إلى أنّ قوات الاحتلال تواصل اعتقال 16 صحافياً في سجونها.