لطالما رُبط الحظ بالأبراج الفلكية. حتى بالنسبة للذين لا يؤمنون بالأبراج، لن يمانعوا في أن يستمعوا إلى ما تخبئه لهم أبراجهم في الزوايا المعتمدة لمعظم فقرات الأبراج في الصحف والمواقع والبرامج الإذاعية.
والحظ ــ تحديدًا العاثر ــ هو ما جعل عبد الرحيم العوجي (1981)، يبحث في الأبراج، ولا سيما برج الجدي، كونه من مواليد شهر ديسمبر/كانون الأول. يبحث العوجي عن سببٍ أو أكثر لحظّه العاثر في الحياة، خاصة في العمل والحب، وذلك بعد أن سمع من "عالمة فلك" أن مواليد برج الجدي هم الأقل حظًا. كان بحثه هذا موضوع عرضه الحكواتيّ الميثولوجيّ "Capricorn أو لماذا لست محظوظاً؟" الذي عُرض مرّات عدة، آخرها في الأول من الشهر الحالي، بالإضافة إلى عرضين قادمين في 8 و15 إبريل/نيسان، في استوديو "لبن" في بيروت.
في القسم الأول من العرض، يأخذ العوجي الحضور في رحلة إلى عالم الأساطير، مستعرضًا تاريخ برج الجدي وكوكب زحل الذي يتحكم فيه، وتحديد مسؤوليته المباشرة عن مغادرة الحظ لمواليد هذا البرج. لا داعي لأن يكون للحضور معرفة مسبقة بعبد الرحيم لاستنتاج صدقه بشأن حظه، لأن البحث الذي أجراه، وأسماء الآلهة التي اضطر إلى حفظها عند أكثر من حضارة، وربط أساطيرهم المتشابهة ببعضها بعضاً، والإضاءة على تقاطعاتها بدءًا من "خيوس" الإله الذي ينشر الفوضى (كلمة Chaos جاءت من اسمه)، مرورًا بأورانوس ثم العمالقة (Titans) والسايكلوبس (Cyclops) وكرونوس (Cronos)، وكل مشتقات الزمن، وصولًا إلى زيوس، رب الأرباب وإله السماء الذي نفى أباه كرونوس إلى كوكب زحل، وحلت لعنة دفع الثمن على كل من يولد في مداره وفلكه انتقامًا لما فعله ابنه به.
أبلغ عبد الرحيم الجمهور منذ البداية ألا يتوقعوا عرضًا كوميديًّا، أو عرضًا يتناول الشأن اللبناني السياسي أو الاجتماعي. موضوعه شخصي أكثر. موضوعه هو همّه الذي لأجله جمع حكايات آلهة الأساطير ورواها. حكاياته لم تخلُ من السحر والشعر، ولكن هكذا هي الأساطير: آلهة تصنع مناجل من برق، وإله يأكل أولاده، وآخر يحول مساعده إلى نجوم وينثرها في السماء لتصبح "مجموعة الجدي"، وإله ينفي أولاده المشوهين إلى العالم السفلي عند إله الجحيم تارتاروس. لكن العوجي وهو يسرد لنا هذه الأساطير، أشعرنا بالحزن، وذلك قبل أن نصل إلى القسم الثاني من العرض، الذي ينتقل فيه من عالم الأساطير إلى عالمه وحياته الشخصية، بدءًا من والده.
يتسلل للحضور إحساس خفيف بالحزن أثناء الاستماع إلى الحكواتي عبد الرحيم -وقد أخبرنا أنه تعلم فن الحكي من خلال ورشة مع الحكواتي اللبناني الفرنسي جهاد درويش- وهو يحكي عن شعور أحد شخصيات هذه الأساطير، بريكوس، بعدم التقدير من قبل أبنائه الذين لحقوا الضوء وهربوا إلى كوكب آخر، وعن شعور إله بشع يشبه المعزاة بالتعاسة بالحب. ويرافقنا هذا الشعور، ثم يزداد في القسم الثاني الذي يفصله عما سبق رشفة ماء.
في القسم الثاني، يبدأ الربط بين الأساطير وتأثيرها المباشر على برج الجدي، وتحديدًا آل عوجي، فيتأكد للحضور (وقبلها للعوجي نفسه)، نظرية ارتباط برجه بحظه السيئ، وبمسؤوليته المباشرة عن هذا الحظ، خاصة بعد أن نعلم أن والده كان أيضًا من برج الجدي وكان حظه كحظ ابنه (أو العكس)؛ عاثرًا. يبدو أن لعنة كرونوس استطاعت أن تجد سبيلًا لتصل إلى آل العوجي، وحظ والده السيئ كان مرتبطًا بتأمين سكن مستقل، الأمر الذي لم يتمكن طيلة حياته من تحقيقه.
الشعور الخفيف بالحزن يتحول ليصبح شعورًا بالتعاطف والتفهم، عندما ينتقل العوجي من حياة والده إلى حياته. عرفنا في البداية أن حظه السيئ طاول العمل والسكن والحب، ولكنه في النهاية يخبرنا أنه بالرغم من أنه ورث لعنة الزمن من كرونوس، والشعور بعدم التقدير من بريكوس الذي هرب منه أبناؤه، ومن والده ورث الفشل بأن يكون لديه منزل مستقل، لكن ما يزعجه فعلًا هو ما ورثه عن الإله البشع Pan ــ والذي يبدو أن من اسمه اشتقت كلمة Panic لما كان يثيره من هلع في نفوس من يراه- وقد ورث عنه التعاسة بالحب.
المقاربة التي أتمّها عبد الرحيم العوجي بين حظه المسؤول عن الإخفاقات المهنية والعاطفية، وبين آلهة الأساطير المتحكمة بهذا الحظ وباستمرارية سوئه، أنتجت عرضًا لا ادعاءات فيه ولا زخرفة. بدا عرضًا متواضعًا، لكنه مشغول بدافعٍ وهاجس شخصيٍّين، مستندًا على بحثٍ جديّ احتل أكثر 80% من مدة العرض الذي يمتد ساعةً. بقي العوجي أمينًا لأسلوب الحكواتي وللحكايات، ولم يفلت منه في أي وقت هدفه ورغبته بإيجاد العلاقة بين حظه والأبراج التي لأجلها بدأ بحثه ثم عرضه. كأنه كان يريد أن يثبت بشدة لنفسه ثم للحضور أن لا يد له في تهمة الفشل. إنها مسألة كواكب وآلهة، قدرات تفوق قدراته. وعلى الرغم من قوله إن عرضه ليس كوميديًا، فإنه تمكّن من إضحاك الحضور وفي السياق المناسب. في خلفية المسرح، رافقت العوجي في بعض الأحيان صور آلهة، وأحيانًا آيات قرآنية كانت جزءًا من تشعبات بعض الحكايات التي حكاها.
هذه هي المرة الأولى التي يقدم العوجي عرضًا حكواتيًا. في السابق كانت له مشاركات مسرحية مثل "حرب طروادة" مع روجيه عساف، وبمسرحية "عنبرة" مع علي خالدي، و"الست نجاح" و"المفتاح" مع عايدة صبرا، بالإضافة إلى مشاركات في مسلسلات لبنانية مثل "عروس بيروت"، و"ستيلتو"، إلى جانب البرنامج الكوميدي CHINN. وحاليًا يشارك في المسلسل المصري "تغيير جو" مع منة شلبي للمخرجة مريم أبو عوف.