استمع إلى الملخص
- شارع يافا يُعرف بـ"شارع العرب" ويجذب الجالية العربية لتناول الشاورما وكولا فلسطين، ويعكس تأثير الجالية العربية في المدينة.
- أمستردام تشهد احتجاجات تدعم الحق الفلسطيني وتنتقد إسرائيل، وتبقى علامات الإبادات تذكر بأن أوروبا لم تنجح في إيقاف أي إبادة منذ الحرب العالمية الثانية.
أمستردام مدينة هادئة، على الرغم من كل الصخب الذي تشتهر به، وعلى الرغم من جسورها التي تصلح للانتحار، كما في رواية "السقطة" (1956) لألبير كامو، يكفي الابتعاد قليلاً عن مركز المدينة حتى يعم الصمت، والطبيعة الخضراء، ويجد المُتنزِّه نفسه في مدينة لا تخلو من أشباح الماضي، وتناقضات الحاضر.
تناقضات الحاضر نراها في علم فلسطين المعلق على عدد من الشرفات. في الوقت نفسه الذي نرصد فيه أشباح الماضي حين نرى القطع المعدنية الصغيرة على الرصيف التي تحمل أسماء يهود أرسلوا إلى المحرقة. فهولندا لم تتردد في الوقوف إلى جانب النازيين، ناهيك عن دورها الفعال في تجارة العبيد بين أفريقيا وأوروبا والقارة الأميركية.
جبل من الذنوب التاريخيّة يختفي وراء الهدوء وتفرعات النهر أشبه بضباب لامرئي يلف شوارع المدينة. تشتد هذه التناقضات حين نقرأ موقف هولندا من حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة منذ عشرة أشهر في غزة، إذ أعلنت سابقاً وقفها تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ثم أعادت هذا التمويل، ثم صدر أمر قضائي بوقف بيع الطائرات النفاثة إلى إسرائيل لـ"شبهة" استخدامها في قتل المدنيين في غزة، كما لم تخلُ الجامعات والشوارع من مظاهرات واحتجاجات تنتصر للحق الفلسطينيّ.
كل هذا يتحرك في عقل المُتنزّه في شوارع أمستردام وهو يحاول تفادي الدراجات الهوائية، متأملاً البيوت التي تشبه البسكويت والكنائس البروتستناتيّة قليلة الزخرفة، بينما المدينة صامتة، يلعب أطفالها في الحدائق، وينتشر مراهقوها حول نهر أمستل وتفرعاته. لكن للزائر العربي لهذه المدينة فرضاً واجباً: زيارة لـ"شارع العرب"، وهي التسمية المستعارة من شارع الزونينآلية في برلين والمتداولة فقط بين الجالية العربيّة.
إذ لا يعرف الأمسترداميون بوجود المكان، أو بصورة أدق لا يعرفون بوجود هذه التسمية. إذ إنّ الاسم الرسمي للشارع هو شارع يافا Javastraat. طبعاً، هدف الزيارة هو الشاورما، كجزء من استطلاع واستكشاف ميداني يقوم به الكثير من المهاجرين في محاولة للإجابة عن سؤال: "أين يمكن تناول أفضل شاورما في أوروبا؟"، ومجدداً تخسر أمستردام في هذا التحدّي، إذ لا تزال برلين تتربع على عرش أفضل شاورما عربي في أوروبا.
تدخل أشهر محل شاورما في شارع يافا الذي يحمل اسم "دجلة والفرات"، تطلب الشاورما وتسأل الموظف: "هل من كولا؟"، فيقول "كوكا كولا أم مقاطعة؟"، تجيب من دون تردد: "مقاطعة"، لتجد في البراد عبوة كولا مرسومة عليها كوفيّةً باسم "كولا فلسطين"، وهي علامة تجارية جديدة أنشأها أخوان في السويد لتكون بديلاً عن المشروبات الغازية التي تدعم دولة الاحتلال، وتندرج تحت قائمة الشركات المُقاطعة.
تشتري الحلاوة، وتأكل متأملاً الشارع العريض محدقاً في كولا فلسطين، هنا، تراودك فرضية واحدة "سهل إذاً إنتاج كولا لذيذة مختلفة عن الماركات الأميركية، الأمر ليس بالتعقيد الذي نتخيله".
لم تخلُ مسيرة الفخر في أمستردام من انتصار لغزة وانتقاد شديد لإسرائيل، علماً أن عمدة المدينة رفض مطالب منع رفع علم الاحتلال، لذا نظم الناشطون مسيرات خاصة بهم، ورفعوا شعار "لا فخر في ظل الإبادة"، و"لا أحد حرّ إلا حينما نكون جميعاً أحراراً".
تعود المدينة للهدوء بعد الاحتجاجات والjظاهرات والاحتفالات، ولا تبقى سوى علامات على الإبادات التي شهدتها البلاد، التي للمفارقة لم تساهم بإيقافها، بل تحولت إلى رموز للتذكير، والتأكيد أننا منذ الحرب العالمية الثانية إلى الآن لم ننجح في إيقاف إبادة واحدة على الأقل، بل تكتفي أوروبا بالإدانة والسخط والتهديد... وربما القلق، كما هي الحال بعد انتشار فيديو اغتصاب أسير فلسطيني من قبل جنود احتلال إسرائيليين، إذ عبّرت الولايات المتحدة وأوروبا، ومعهما الأمم المتحدة، عن "قلقهم" من المشاهد العنيفة التي وثّقها جنود الاحتلال بأنفسهم.