"احذفوا فيسبوك لحماية الديمقراطية"، "احذفوا فيسبوك، تجنبوا ميتا ودعونا نتفادى هذا الهراء"، "هل ما زال الناس يستخدمون فيسبوك أصلا؟"، "إنها أفضل أنباء هذا العام"، "حذفت فيسبوك وأعيش بدونه، يمكنكم فعل ذلك أيضاً"... هذه بعضٌ من التعليقات التي انتشرت عبر "تويتر"، مع وسم #DeleteFacebook الذي حلّق للأكثر تداولاً في عدد من الدول، في أعقاب إعلان "ميتا" عن انخفاض عدد مستخدميها، وتأثر قيمتها السوقية، وخسارة رئيسها التنفيذي مارك زوكربيرغ المليارات من ثروته الخاصة.
أثار النبأ ضجّة واسعة، ومن المتوقع أن تتردد تأثيراته في المرحلة المقبلة، بحسب ما تتوقع المواقع التقنيّة في تحليلاتها لما بعد "الحدث". فللمرة الأولى منذ تأسيسها قبل 18 عاماً، شهدت شركة "فيسبوك" انخفاضاً في عدد مستخدميها النشطين يومياً إلى 1.929 مليار بحلول ديسمبر/كانون الأول الماضي. وتراجعت أسهم الشركة بأكثر من 20 في المائة في تعاملات ما بعد الإغلاق في نيويورك. وأدى الانخفاض في سعر سهم "فيسبوك" إلى انخفاض بنحو 200 مليار دولار أميركي في قيمتها السوقية. كما خسر مارك زوكربيرغ من ثروته الشخصية ما يفوق 24 مليار دولار. وبحسب ما ذكرت المواقع الأميركيّة، فإنّ خسارة "ميتا" يوم الخميس من قيمتها السوقية، والتي بلغت أكثر من 240 مليار دولار، هي أعلى ممّا بلغته قيمة أي شركة، في أي مكان في العالم، في التاريخ.
Facebook has lost more value today ($240b-ish) than almost all global companies have ever been worth, at any time, in their histories.
— Alex Sherman (@sherman4949) February 3, 2022
والأربعاء الماضي، أعلنت الشركة الأم "ميتا" عن تباطؤ نمو إيراداتها في ظلّ منافسة شرسة من منصات أبرزها "تيك توك" و"يوتيوب"، موضحةً أنّ هذا التحوّل جديد، إذ إنّها لم تكن تُنافس بشراسة أي تطبيقات أخرى خلال سنواتها السابقة. كما أشارت إلى أن المعلنين يقلصون نفقاتهم على منصاتها، إذ أوضحت "فيسبوك" التي تمتلك ثاني أكبر منصة إعلانية رقمية في العالم، بعد "غوغل"، أنها تأثرت بالتعديلات التي أجريت على الخصوصية في نظام تشغيل أجهزة "آبل". وهذه التغييرات صعبت على الشركات استهداف وقياس إعلاناتها على موقعي "فيسبوك" و"إنستغرام". إذ قال مارك زوكربيرغ، إن نمو مبيعات الشركة تضرر لتوجه المستخدمين، وخاصة صغار السن منهم، نحو المنصات المنافسة. لكنه عبر عن ثقته بأن الاستثمارات في الفيديو والواقع الافتراضي ستؤتي ثمارها، كما فعلت الرهانات السابقة على إعلانات الهاتف المحمول وميزة "قصص" في "إنستغرام".
تحذيرات الشركة لاقت قلقاً لدى مستثمرين، لكن راحة لدى مستخدمين. إذ عادت حملة "احذفوا فيسبوك" للتداول، فيما رأى المستخدمون أنّهم نجحوا في إيصال رسالة إلى الشركة، مفادها أنّ إجراءاتها لا تُعجبهم، خصوصاً بعد دورها السلبي الذي يُسلّط الضوء عليه منذ عام 2017 وحتى اليوم. فقد كانت الشركة محطّ انتقادات بسبب تورطها في خطاب الكراهية وانتشار التضليل عليها، والتلاعب بالرأي العام، كما معرفتها بالأضرار التي تسببها في تأجيج العنف في مناطق متعددة حول العالم، وعدم إنصافها لمستخدميها، عدا عن تأثيرها على القاصرين عبر "إنستغرام"، وسيطرتها على التطبيقات الأساسيّة التي يستخدمها الأشخاص حول العالم. وكان بين تلك الأحداث، تأثيرها في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 التي انتهت بفوز الرئيس السابق دونالد ترامب، والتسريبات حول اهتمامها بالأرباح على حساب المنافسين وفق ما جاء في تسريبات فرانسيس هوغن العام الماضي، بالإضافة إلى عنصريّتها ضد مستخدمين كما يحدث مع الفلسطينيين منذ سنوات، وظهر جلياً خلال الهبّة الفلسطينية عام 2021 تزامناً مع حملة عالمية لإنقاذ حيّ الشيخ جرّاح. هذا عدا عن دورها في نشر الخرافات والتضليل حول فيروس كورونا، كما عزوف المستخدمين عنها في ظلّ الانقطاعات التي ألمّت بخدماتها وأدّت إلى الالتحاق بمنافسين كـ"تيليغرام" و"سيغنال".
حالياً، تواجه الشركة مستقبلاً غير مضمون، إذ إنّ عزوف المستثمرين، ومغادرة المستخدمين، وازدحام المنافسين، له تأثيرات مباشرة على سيرورة عمليّاتها، وبالتالي رواج خدماتها. والعراقيل التي تواجهها حالياً قد تتسبب بمشكلات وخسارات أكبر في المستقبل، بالرغم من أنّها تراهن على "ميتافيرس"، الكون الماورائي الذي لا يزال بعيداً عن التحقق، وأرباحه غير مضمونة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، غيرت "فيسبوك" اسمها إلى "ميتا" محاولةً الابتعاد عن "ضوضاء الفضائح"، والتركيز على عالم "ميتافيرس"، فيما تضخّ الشركة مبالغ مالية في هذا الاستثمار. إذ أظهرت بيانات الأربعاء أنّها خسرت 10 مليارات دولار من قسم أجهزة الواقع الافتراضي "رياليتي لابز" العام الماضي.
تعترف الشركة للمرة الأولى بوجود منافسين أقوياء، فيما تحضّر نفسها لـ"المرحلة الجديدة من الإنترنت"، فهل نشهد بداية نهاية عملاق التواصل الاجتماعي؟