"على مائدة السلطان" هو عنوان المعرض الذي يستضيفه متحف لوس أنجليس حتى الرابع من أغسطس/آب المقبل، والذي يسلط الضوء على تقاليد الطعام والطهي في المجتمعات الإسلامية.
يضم المعرض نحو 250 قطعة، تراوح بين الأعمال الفنية والتركيبات والمصنوعات التراثية والمخطوطات التي لها علاقة بالطهي وإعداد الطعام.
وجُمعت أعمال "على مائدة السلطان" من الشرق الأوسط وإيران وجنوب آسيا والصين، وحتى الولايات المتحدة وأوروبا، لتقدم لمحة نادرة عن التقاء الفنون مع آداب الطعام والطهي في المجتمعات الإسلامية عبر العصور.
ويحتفي المعرض بالطعام والفنون المرتبطة به كممارسة إنسانية أساسية، ولغة عالمية تتجاوز الحدود الثقافية، كما يلفت الانتباه إلى ما تنطوي عليه ثقافة الطعام والطهي من تأثير وتأثر بين الثقافات والشعوب. وسيكتشف الزائر للمعرض، مثلاً، كيف أن أنواعاً معينة من أطباق الطعام المرتبطة بثقافة ما، ربما تكون في الواقع قد انتقلت إليها من مكان آخر.
وتتطرق التظاهرة، بشيء من التفصيل، إلى أصل بعض الأطعمة، كالبادنجان الذي انتقل من الهند إلى الشرق الأوسط ومنه إلى أوروبا، أو كرات اللحم السويدية، التي انتقلت إلى السويد من الإمبراطورية العثمانية.
وتضم معروضات "على مائدة السلطان" أشكالاً متنوعة من أدوات المائدة، كأواني التقديم وإكسسوارات الطعام وأواني غسل اليدين. ويشمل المعرض أيضاً عدداً كبيراً من اللوحات والمخطوطات التي تحتوي على وصفات للمأكولات، إلى جانب تشكيلة متنوعة من المفارش المطرزة والآلات الموسيقية.
ومن بين المعروضات المميزة التي يضمها المعرض غرفة استقبال دمشقية تعود إلى القرن الثامن عشر، إضافة إلى عمل تجهيزي أُنشئ خصيصاً من أجل المعرض، للفنان العراقي، صادق كويش الفراجي.
وتؤمن القيّمة على العرض، ليندا كوماروف، بأن الطعام هو أنسب وسيلة للتعرف على ثقافات الآخرين، إذ تعتبر التظاهرة فرصة لتعريف الجمهور الأميركي بالفن والثقافة الإسلاميين.
ولا يقتصر الأمر على عرض هذه الأعمال فقط، بل تقدم التظاهرة لزائريها الفرصة لاختبار مذاق بعض الأطعمة المعدة على الطريقة الشرقية، كما يعزز هذه الأجواء برائحة الشواء والمخبوزات الطازجة.
"الوجبة الافتراضية" مقدّمة "على مائدة السلطان"
"الوجبة الافتراضية" هو عنوان لأحد التجهيزات التي يضمها المعرض، ووسيلة مبتكرة استعانت بها القيّمة لتعزيز رؤيتها. يتكون هذا التجهيز من سفرة شرقية، تتمثّل بطاولة مستديرة ومنخفضة محاطة بوسائد للجلوس. على هذه الطاولة، رصت نماذج مصطنعة من قطع خبز، وإلى جانبها شاشات صغيرة مثبتة تعرض صوراً لستة أطباق شرقية، كالأرز المُعد بلحم الضأن وبعض أنواع من الحلوى. يتيح كتالوغ المعرض كذلك وصفات هذه المأكولات وطريقة إعدادها في المنزل.
وعن هذه الرمزية التي تمثلها المائدة المستديرة، يقول الفراجي إن هذه المائدة التي نتحلق حولها عند تناول الطعام ليست مخصصة للطعام فحسب، بل تتيح كذلك مساحة للحب والاجتماع والسعادة والشعور العائلي الدافئ.
ويضيف الفراجي أن الجلوس على الكرسي يختلف عن الجلوس على الأرض، فالجلوس على الأرض يتيح لك نوعاً من الألفة، حيث تتلامس ركبتك مع ركبة أخيك أو والدك، كما ستشاركهما نفس الطبق.
هذه الألفة التي يتحدث عنها الفنان العراقي يمكن أن يستشعرها الزائر حين يدخل إلى هذه الغرفة الدمشقية المصنوعة بالكامل من الخشب وقطع الأرابيسك. تبلغ مساحة الغرفة 15 في 20 قدماً، وهي مزينة بالكتابات العربية ونافورة حجرية في الوسط، مع وسائد على الجوانب مخصصة للجلوس.
كانت الغرفة جزءاً من منزل دمشقي مهدوم، وقد اشتراها تاجر تحف في السبعينيات من القرن الماضي، ونقلها إلى بيروت ومنها إلى لندن، ثم انتقلت هذه الغرفة أخيراً إلى متحف لوس أنجليس عام 2014، وهي تعرض اليوم لأول مرة بعد ترميمها.
وإلى جانب تسليط المعرض الضوء على تقاليد الطهي الإسلامية والفنون المرتبطة بها، يضيء كذلك على مظاهر التبادل الثقافي والجمالي بين الشعوب، إذ يضم مجموعة متنوّعة من الأواني الخزفية الإيطالية والمعروفة باسم مايوليكا، مزينة بخيوط القصدير، في تأثر واضح بالأواني الخزفية المزينة بخيوط الفضة التي ازدهرت صناعتها في الأندلس. كما تشمل المعروضات نماذج من الخزف الإسلامي المتأثر بالنقوش الصينية وأساليب التلوين التي كانت شائعة في منطقة جنوب آسيا.
"خيط من نور بين أصابع أمي والسماء"
تحت عنوان "خيط من نور بين أصابع أمي والسماء"، يقدم الفراجي عملاً تجهيزياً مكوناً من شاشة عرض ومجموعة من الرسوم المختلفة بالأبيض والأسود. على الشاشة تتحرك الرسوم تباعاً وتتداخل مجموعة من العناصر المختلفة، بينها مشهد لزهور ورسم متخيّل ليد أمه وكائن أسطوري مجنح برأس إنسان وجسد حصان.
يقول الفراجي إنهم حين أخبروه عن فكرة المعرض، تذكّر على الفور أصابع أمه وهي تصنع الخبز. استدعت هذه الذكريات في مخيلة الفنان التجربة الحسية الغامرة التي كان يشعر بها حين كانت تهديه والدته قطعة من الخبز الساخن.
وانتقل صادق الفراجي للإقامة في هولندا خلال التسعينيات، غير أنه لم يعثر في أي مكان آخر على خبز يضاهي خبز أمه كما يقول، وهو يقدم هذا العمل تقديراً لهذه الذكريات الدافئة.