يتكرّر كلامٌ على غياب كتبٍ سينمائية عربيّة، تبحث في مسائل، وتروي سير شخصيات وأفلام، وتوثِّق أحداثاً وحكايات وذاكرة. مع صدور كتاب أجنبي، يمتلك مفردات البحث والسرد والتوثيق، يُطرح سؤال غياب مثيلٍ له باللغة العربية، أو ندرته على الأقلّ. الندرة لن تُحقِّق المطلوب، فالمكتبة السينمائية زاخرة بمطبوعاتٍ مليئة بمقالات منشورة سابقاً، أو بحوارات تكريمية بحتة، أو بترجمات، وبعض الترجمات مُفيد ومهمّ وضروري. البحث المعمَّق قليل للغاية، والدراسات الأكاديمية تبقى، غالباً، في الجامعات.
"العرض الأخير ـ سيرة سيلَما طرابلس" (2021)، للمخرج والباحث اللبناني هادي زكّاك (العربي الجديد، 17 يناير/كانون الثاني 2022)، يؤكّد أنّ الحاجة مُلحّة إلى مؤلّفات توثيقية، إذْ يروي الكتاب فصلاً أو أكثر من قصة السينما وصالاتها، ومن سيرة مدينة وتاريخها واجتماعها وتحوّلاتها. التنقيب في حكاية الصالات السينمائية في طرابلس (شماليّ لبنان)، كجزءٍ من إعادة قراءة تاريخ المدينة وناسها وعلاقاتهم الاجتماعية ومسالكهم، يجعل الكتاب وثيقة مليئة بمعلومات ومستندات وذكريات وتأمّلات، تمتزج بمرويات شفهية، تتحوّل إلى نصٍّ يعكس شيئاً أساسياً من ذاكرة طرابلسية ولبنانية.
هذا نوعٌ شبه مفقود في المكتبة السينمائية العربية. أسباب فقدانه كثيرة، أبرزها الحاجة إلى فريق عمل وتمويل وتفرّغ، أو شبه تفرّغ. جهات عربية تموِّل، ولو قليلاً، مشاريع كهذه، أبرزها "الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق)" و"المورد الثقافي". لكنّ مشاريع كهذه تحتاج إلى رعاية ومتابعة من مؤسّسات، يُفترض بها أنْ تختصّ بالسينما، أو بإصدار أبحاثٍ ودراسات، تكون السينما بنداً أساسياً فيها. مهرجانات سينمائية عربية قليلة معنيّة بتقديم دعم مالي لمشاريع أفلامٍ، لكنّها غير مكترثةٍ البتّة بالجانب النظريّ للسينما، ثقافة وبحثاً. بعض تلك المهرجانات يُصدر مطبوعات، محصورة تماماً بتكريم عاملين وعاملات في صناعة السينما، المصرية أولاً إنْ تكن المهرجانات مصرية، أو عربية، وهذا نادر أيضاً.
يستحيل الركون إلى مطبوعات كهذه، واعتبارها مرجعاً علمياً. هذه تبقى وثيقة آنيّة، فيها شيءٌ من المعلومة (إلى أين مدى تمتلك المعلومة مصداقيتها؟)، وكلامٌ يقوله المُكرَّم/ المُكرَّمة، وهذا يُستفاد منه، أحياناً، في مقالةٍ صحافية. الكتب ـ المراجع في المكتبة السينمائية، المؤلَّفة باللغة العربية، والمعنيّة بالسينما العربية، نادرة، إلى درجةٍ تبدو معها كأنّها مُغيَّبة. المكتبة السينمائية الغربية زاخرة بآلاف الكتب المؤلّفة والمترجمة، وكثيرٌ من التأليف يختار مواضيع وشخصيات مختارة سابقاً في أكثر من كتاب، لكنّ معظم الجديد يُقدِّم جديداً، في التحليل والتوثيق (مسائل عدّة تظهر علناً بعد وقتٍ). شخصيات ومواضيع سينمائية عربية يتكرّر حضورها في مطبوعاتٍ عدّة، لكنْ من دون جديدٍ يُذكر، وهذه علّةٌ مسيئة إلى السينما والشخصية والموضوع والكتابة والمهتمّ، وبعض المهتمّين يُثابرون، بوسائلهم الخاصّة، على بحث وتنقيب عن كلّ جديدٍ ممكن، للاحتفاظ به، إنْ يتمكّن أحدهم من العثور عليه.
هذا عطبٌ يُضاف إلى أعطابٍ عربية عدّة، في السينما والكتابة والصحافة والنقد.