عن سميرة توفيق

23 سبتمبر 2024
سميرة توفيق في الدوحة، 2018 (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **البدايات والتأثير الأردني:** التقت سميرة توفيق بالموسيقي توفيق النمري في نهاية الخمسينيات، ولحّن لها أولى أغانيها الأردنية "أسمر خفيف الروح". قدمها النمري لمدير الإذاعة الأردنية، صلاح أبو زيد، لتقديم الأغنية في افتتاح الإذاعة عام 1959 برعاية الملك حسين.

- **الدور الثقافي والفني:** لعبت سميرة توفيق دوراً محورياً في تشكيل الهوية الثقافية الأردنية من خلال أغانيها التي كتبها ولحّنها نخبة من الشعراء والموسيقيين الأردنيين والفلسطينيين. غنّت نحو خمسين أغنية بين 1959 ومنتصف السبعينيات.

- **التأثير الاجتماعي والجمالي:** كانت سميرة توفيق رمزاً للجمال البدوي وساهمت في تشكيل وعي الجيل الشاب الأردني وصورة البلاد. لم تُمنح الجنسية الأردنية ولم تحظَ بالتقدير الكافي في المناهج الدراسية الأردنية.

كثيرون لا يعرفون أن الفنانة سميرة توفيق ليست أردنية، فلونها الغنائي البدوي وانطلاقها من الإذاعة والتلفزيون الأردنيين أواخر خمسينيات القرن الماضي دفعا كثيرين إلى الظن أنها أردنية، وكاتب هذا المقال ظل يظن أنها مواطنة وفنانة أردنية حتى دخوله إلى الجامعة، ويا لها من مفاجأة آنذاك.
التقت سميرة توفيق بالموسيقي والمطرب الأردني توفيق النمري في نهاية الخمسينيات، ولحّن لها من كلماته أولى أغانيها الأردنية، وهي "أسمر خفيف الروح"، وقدمهما فيما بعد (الأغنية والفنانة) إلى صلاح أبو زيد، مدير الإذاعة الأردنية، الذي دعاها إلى تقديم الأغنية نفسها في افتتاح الإذاعة عام 1959 برعاية الملك حسين.
كانت سميرة توفيق في حينه بمثابة لُقية ثمينة لنخبة أردنية تخوض صراعاً مريراً مع التوجه الناصري تجاه بلادهم والذي كان ينكر عليهم وجود دولتهم نفسها باعتبارها هدية بريطانية وليست استحقاقاً وطنياً، فنشأ تيار داخل هذه النخب يُعلي من شأن الإعلام وأدواته للرد على التيارين الناصري والشيوعي خصوصاً، فحظيت وسائل الإعلام في حينه برعاية حثيثة من الملك الأردني الراحل ورؤساء حكوماته. لم يكتف هؤلاء بالإعلام، بل تعدوه إلى الفن، والغناء خصوصاً، بهدف إنتاج هوية تستند إلى التراث والفولكلور المحلّيين، فإذا لم يجدوهما صنعوهما. وكانت سميرة توفيق هي الصوت الصقيل، النادر، الشبيه بالشخصية الأردنية التي كانوا يبحثون عنها لتكريسها، فعُهد إلى الشاعر رشيد زيد الكيلاني، وكان يعمل في الإذاعة، بتعليم الصبية الجميلة ذات الملامح البدوية، بعينيها الواسعتين الكحيلتين وقامتها المنتصبة كفرس، اللهجةَ الأردنية. وتولى توفيق النمري وجميل العاص وروحي شاهين وآخرون تلحين أغانيها التي كتب أغلبها الكيلاني، وهو من مدينة نابلس الفلسطينية، وكاتب أغنيتها الشهيرة التي يظنها كثيرون فلكلوراً فلسطينياً، وهي "وين ع رام الله"، كما كتب حيدر محمود والعاص والنمري وآخرون عدداً من أغانيها.
غنّت سميرة توفيق نحو خمسين أغنية لهؤلاء ما بين 1959 إلى منتصف السبعينيات، ما يساوي نحو ثُلثي إنتاجها الغنائي برمته، ويُعتقد أنها أقامت في الأردن نحو عقدين من الزمان، لم تكن خلالهما مجرد فنانة بل كانت جزءاً من مشروع دولة، والمدفعية "الجمالية" لنخبة ذلك الزمن، وكانت عسكرية بامتياز، إلى درجة أن رئيس هيئة أركان الجيش الأردني حابس المجالي، ألّف إحدى أغانيها، وهي "حنا كبار البلد"، ما يشير إلى أنها كانت جزءاً من الصناعة الثقيلة للبلاد، وعاملاً في تشكيل ما سيصبح فلكلورها أو أحد مكونات هويتها. وأي تحليل سريع لمحتوى أغانيها يخلص إلى ذلك، من التغني بالفرسان على ظهور الخيل الذين يُستقبلون بالقهوة كثيرة الهيل، والنشامى، والأجواد الذين لا تنطفئ نارهم في الليل، وانتهاء بأردن الكوفية الحمرا، وما بينهما من أغانٍ شكلت فيها سميرة توفيق صورة العاشقة البدوية التي تلف حبيبها بـ"حضينها" وتخبئه في عينيها إذا شاء الهوى ورغب.
كانت سميرة توفيق في كل ذلك مهرجان فرح، مكتفياً ومزهواً بنفسه. جميلة بمقاييس تلك الحقبة، جمالاً يشبه ما رسمه خيال الصحراء للمرأة، فإذا هي بوجه بيضوي، وعينين كبيرتين وكحيلتين، وأضيف إلى ذلك الخالُ على خدّها، وغمزتها التي فتنت أبناء ذلك الجيل الذين كانوا يتسمرون أمام جهاز التلفزيون عندما كان يبث أغانيها، وهم أنفسهم، إذا كانوا منخرطين في صفوف الجيش، من كانوا يدبكون على موسيقى أغانيها في احتفالاتهم العسكرية وأعراسهم في القرى والبوادي، فلعبت بذلك دوراً تأسيسياً في تشكيل وعي ذلك الجيل الشاب، وساهمت في تكريس صورته أمام نفسه، وصورة بلاده في مواجهة الآخرين كما كان يأمل، بل ورسمت حدود خياله إذا جاز الوصف إزاء المرأة وجمالها.
لم تكن سميرة توفيق بهذا مجرد مطربة في تاريخ الأردن، قبلها أو معها كانت سلوى وعبده موسى وتوفيق النمري، وبعدها فارس عوض، ولكنهم كانوا مطربين، مغنين، أما هي فكانت مشروعاً أو جزءاً أساسياً من مشروع كبير يتجاوز الفن إلى الهوية، ومن المفارقة أن تنجح في ذلك رغم أنها ليست أردنية أصلاً، ولم تُمنح الجنسية الأردنية أيضاً، ومن المؤسف حقاً أن تُستَكثُر عليها بضعة سطور تعريفية في منهاج دراسي هناك.

المساهمون