خلال 11 عاماً، لم يجد المخرج المصري خالد يوسف فكرة جديدة يقدمها، كأول تجربة له في مجال الدراما التلفزيونية، سوى نص للكاتب الراحل يوسف إدريس، كان قد حاول تقديمه في مسلسل تلفزيوني بعيد ثورة 25 يناير 2011. وقال وقتها إن أحداث القصة تتشابه كثيراً مع ما حدث من ثورة في مصر.
بعد مرور كل تلك السنوات، وبعد كل ما مرّ به خالد يوسف من أحداث وصلت إلى حد خروجه من مصر "قسرياً"، بعد فضائح جنسية طاولته، عاد إلى بلاده، بعد تدخل لدى جهات وشخصيات نافذة في النظام لم تكتف بإعادته فقط، بل قررت إنتاج مسلسل "ضخم" له، من خلال شركة المتحدة للخدمات الإعلامية، ومن المقرر أن يعرض خلال رمضان المقبل.
لم يجد المخرج خالد يوسف سوى قصة يوسف إدريس نفسها، "سِرُّه الباتِع"، حتى يقدمها للمسؤولين في "المتحدة للخدمات الإعلامية" لإنتاجها، لكنه قرر هذه المرة أن يعيد معالجة النص، ليتناسب مع العصر الذي تعيشه البلاد.
في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2011، أكد يوسف، في تصريحات صحافية، أنه عدل عن فكرة تقديم فيلم سينمائي عنوانه "سرّه الباتع"، عن قصة قصيرة ليوسف إدريس، وفضّل أن يقدم القصة من خلال مسلسل تلفزيوني يعكف الكاتب محفوظ عبد الرحمن على تأليفه. وقال يوسف وقتذاك: "بعد ثورة 25 يناير لم أستطع العثور على سيناريو يشبع خيالي كمخرج، وقد قدمت قبل الثورة هي فوضى وحين ميسرة ودكان شحاتة، وغيرها من الأفلام التي انتقدت النظام السابق. وحالياً لا أستطيع تقديم مثل هذه النوعية من الأفلام، لأن الثورة تخطت ما قدمناه بكثير". وأضاف أن "قصة يوسف إدريس، رغم أنها تتناول حدثاً وقع وقت الحملة الفرنسية في مصر، إلا أن أحداثها تتشابه كثيراً مع ما حدث من ثورة في مصر أخيراً".
مصدر مقرب من خالد يوسف أكد لـ"العربي الجديد" أن المخرج "أعاد أخيراً معالجة العمل الذي كان من المفترض أنه مقاربة لثورة 25 يناير، وربط القصة بما حدث في 30 يونيو 2013، عندما أُطيح الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي عن حكم البلاد". وقال المصدر إن الحلقات التي يعكف خالد يوسف على كتابتها حالياً، وتحمل عنوان "سِرّ السلطان"، تلمّح في أحد المشاهد إلى احتمال وجود صلات بين شباب الثورة في ميدان التحرير، وجهات خارجية استخباراتية". وأضاف أن "أحداث المسلسل تتوالى في خطين متوازيين، الخط الأول، وهو كفاح بطل القصة الرئيس، السلطان حامد، ضد الاحتلال الفرنسي لمصر، أما الخط الثاني، فهو نضال حامد الصغير ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين التي وصلت إلى الحكم في يونيو 2012".
تتناول القصة الأصلية، "سِرُّه الباتِع" (1958)، عصر الحملة الفرنسية على مصر، وتستحضر بعضاً من جوانب البطولة في ثورة الغضب، من خلال قصة مواطن مصري قتل أحد جنود الحملة الفرنسية، الأمر الذي استدعى إطلاق حملات مطاردة في ربوع مصر كلها، بناءً على أوامر الجنرال كليبر من أجل العثور على ذلك المواطن، خاصة أنّ له علامة مميزة جداً، وهي أنه مبتور الإبهام، ويحمل وشم لعصفورة على وجنتيه. لكن جيوش نابليون تقع في ورطة حينما يقطع عدد من الشباب في القرية التي يحتمي بها أصابعهم، ويرسمون وشماً مشابهاً لوشم البطل.
ورجّح أحد العاملين في المسلسل أن يكون المؤلف قد "قصد أن يصنع تشابهاً ما بين بطل القصة الأصلي السلطان حامد ذلك الشخص الخارق للطبيعة، المستعد لتقديم حياته فداءً لوطنه، وبين الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أنقذ مصر من حكم الإخوان المسلمين"، على حد تعبيره.
لكن بطل قصة يوسف إدريس يُقتل على يد أحد ضباط الحملة الفرنسية. وقال المصدر إن "أحداث المسلسل الذي يكتبه خالد يوسف تتناول الحوادث الإرهابية التي وقعت في سيناء، خلال فترة حكم الرئيس محمد مرسي التي سقط خلالها شهداء من الجيش، إذ يحاول ربطها بجماعة الإخوان المسلمين، حتى إنه يستشهد بتصريحات لمرسي عن الجنود الذين اختطفوا من سيناء عام 2013، عندما أكد ضرورة الحرص على المُحافظة على أرواح الجميع، المُختطفين أو الخاطفين". وأوضح المصدر أن "يوسف يحاول تشبيه حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر بالاحتلال الفرنسي الذي جاء مع حملة نابليون بونابرت، كذلك فإنه يحمّل مسؤولية كل الكوارث التي حلت في مصر لجماعة الإخوان المسلمين، من خلال المسلسل، حتى إنه يتطرق إلى فكرة المصالحة مع الجماعة، من خلال عرضه للشخصيات التي من بينها شخص منتمٍ إلى الجماعة، لكن كبيرة العائلة ترفض ذلك الصلح بين الأشقاء".
وكان السيناريست محمد حلمي هلال قد كشف في تصريحات صحافية، في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، عن أن شركة العدل غروب تواصلت معه وأخبرته أن المخرج خالد يوسف حصل على حقوق قصة "سرّه الباتع" من أرملة يوسف إدريس، رجاء الرفاعي، وهي عبارة عن تسع صفحات فقط، "لذا تحتاج لكاتب مهني مثلك، فوافقت طبعاً". وقال هلال إنه أنهى كتابة الحلقة الخامسة، في الوقت الذي رشح المخرج السينمائي خالد يوسف نفسه لعضوية مجلس الشعب، فتواصل مع "العدل غروب"، ليخبرهم أنه يحاول الوصول إلى يوسف، لكن من دون جدوى. واستفسر منهم عن إكمال الكتابة من عدمه، فأبلغوه بالإيجاب: "كمل، ولك أجرك بعد الحلقة العاشرة". لكن عندما طلب منهم الأجر، كان الرد: "المخرج خالد يوسف احتفظ بملكية القصة لنفسه، مع أننا تعاقدنا معه كمخرج، وحصل على عشرة في المائة من التعاقد الذي كان قدره 3 ملايين ونصف مليون جنيه"، وانتهى كل شيء. وأكد هلال أنه لم يحصل على أجره مقابل كتابة العشر حلقات، تقديراً لموقف الشركة المنتجة، خاصة بعد تملص يوسف منهم، وبعد محاولات وردّ يوسف على الاتصالات، تعهد بأنه سيتكفل بأجر الحلقات العشر، ولم يتواصل معه بعد ذلك.
تحكي قصة يوسف إدريس "سِرُّه الباتِع" حكاية الطفل حامد ذي السنوات السبع، الذي يصر على البحث عن سر الشيخ المدفون في بلدته داخل مقام يقدسه الناس، ويبدأ رحلة البحث عن قصة ذلك الشيخ المسمى "السلطان حامد" من دون جدوى، حتى يتنازل عن هدفه وينساه، لكنه يظل يطارده رغم تخرجه من كلية الطب وعمله في أحد المستشفيات في مدينة الإسماعيلية في فترة الستينيات، وعندها يلتقي بالصدفة بمريضة فرنسية تسمع قصته، وعندما تعود الفرنسية إلى باريس تحاول البحث عن قصة السلطان حتى تعثر على كتاب صدر أخيراً في باريس، وهو عبارة عن رسائل كتبها أحد الفرنسيين الذين رافقوا الحملة الفرنسية في مصر، إلى صديق له في باريس، يحكي خلالها قصة السلطان حامد وبطولاته ومدى تعلق المصريين به.
ونكتشف من خلال القصة أن السلطان حامد كان مواطناً عادياً يعمل في الفلاحة، ولا يهتم بالشأن العام، لكن القدر يضعه في مواجهة مع الاحتلال الفرنسي، وذلك بعد القبض على شيخ البلد بتهمة قتل جندي فرنسي، أطلق النار على أحد الفلاحين فأرداه قتيلاً، فإذا بحامد يتوجه إلى قلعة الفرنسيين في قرية "شطانوف" في المنوفية ليسلم نفسه معترفاً بقتل الجندي حتى يُفرَج عن شيخ البلد. وتتوالى الأحداث عندما تجري محاكمة حامد في محكمة عاجلة تفتقر إلى أدنى معايير العدالة، حتى يُنفَّذ إعدامه، لكن المحكمة تنقلب إلى معركة بين الفلاحين والجنود الفرنسيين، يهرب خلالها حامد ليشكل جيشاً صغيراً من الفلاحين، لمحاربة الفرنسيين المحتلين، ولكن في النهاية يقتل حامد على يد ضابط فرنسي شاهده بالصدفة في أحد الأسواق. يبني الفلاحون مقاماً على جثمان حامد في ذات مكان استشهاده، فيحج إليه المواطنون من جميع أنحاء البلد، وهو ما يغضب الحاكم العسكري الفرنسي الذي يخشى أن يثير المقام الفلاحين على الفرنسيين، فيقرر اقتلاع الجثمان من المقام للإلقاء به في النهر، وعندها يستخرج الفلاحون الجثمان ويقيمون مقاماً آخر له، الأمر الذي يثير جنون الجنرال كليبر، فيقرر تقطيع الجثمان إلى قطع صغيرة ونثرها في جميع أنحاء مصر، فإذا بالفلاحين يقيمون مقاماً في كل مكان ألقي فيه بجزء من جثمان حامد والذي أطلق عليه في ما بعد "السلطان حامد".