عيسى بولص... الموسيقى الفلسطينية قبل النكبة وبعدها

04 يونيو 2024
في إذاعة القدس عام 1936 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- عيسى بولص يسلط الضوء على تطور الهوية السياسية والثقافية الفلسطينية وتأثيرها على الموسيقى قبل النكبة، مشيرًا إلى اعتماد الفلسطينيين على نماذج أوروبية والعودة إلى البداوة في تطوير موسيقاهم ومحاولتهم إنتاج أنماط موسيقية خاصة بهم.
- يتناول تاريخ الموسيقى الفلسطينية منذ العشرينيات، مبرزًا دور شخصيات مثل رجب الأكحل وثريا قدّورة، وكيف أصبحت فلسطين محطة محورية في الخريطة الموسيقية العربية، مع التركيز على أنماط موسيقية جديدة تعكس ثقافة الشرق الأدنى.
- يختتم بالتأكيد على التنوع الثقافي والموسيقي الفلسطيني قبل عام 1948، مستعرضًا تجارب موسيقية تعكس غنى وتعدد الهوية الثقافية والموسيقية في فلسطين، وكيف بنى الفلسطينيون موسيقاهم الخاصة مستفيدين من المفاهيم المحيطة.

يشير الموسيقي عيسى بولص إلى أنه كانت للفلسطينيين ما قبل النكبة مفاهيم متعددة لتطور الهوية السياسية والثقافية، ما انعكس على الموسيقى الفلسطينية بشكل أو بآخر، ما بين تبني نماذج أوروبية وتطويعها، أو العودة إلى البداوة باعتبارها الأصل، لافتاً في محاضرة أقيمت له بعنوان "الموسيقى في فلسطين بين التعبير الفني والمقاومة والشعبوية والليبرالية الجديدة"، إلى أنّ الموسيقى في فلسطين، في حقبة الاحتلال البريطاني، كانت جزءاً مما يمكن وصفه بحالة النهضة التي بدأت في الانتشار بالعالم العربي انطلاقاً من مصر، وإن كانت فلسطين عمدت إلى إنتاج أنماطها الموسيقية الخاصة بعيداً عن الهيمنة المصرية.
يلفت بولص، في المحاضرة التي أقيمت في قاعة مؤسسة عبد المحسن القطان في مدينة رام الله، أخيراً، إلى أن إصدارات الموسيقى الفلسطينية الخاصة بدأت تطفو على السطح منذ عشرينيات القرن الماضي، وبرزت منها أسطوانات رجب الأكحل ابن يافا، وثريا قدّورة ابنة القدس. وحين أنشئت إذاعة "هنا القدس" عام 1936، وبعدها "الشرق الأدنى" عام 1941، بات حضور فلسطين على الخريطة الموسيقية العربية طاغياً، فهي لم تعد فقط محطة محورية في زيارات كبار الفنانين، بل مقراً لأهم الإنتاجات العربية.
تطرق بولص إلى تجربة الموسيقي والمنتج الفلسطيني صبري الشريف، الذي كان ريادياً لجهة تقديم أنماط موسيقية جديدة على المستويين الفلسطيني والعربي، فاتجه إلى تقصير مدّة الأغنية، ومحورتها شعريّاً وموسيقيّاً حول ثقافة الشرق الأدنى، بعيداً عن سيطرة مصر على الموسيقى العربية، لقناعته بأن تراث الشرق الأدنى الشعري والموسيقي يتكئ بالأساس على المعنى أكثر من الشكل، ليعرض بعدها تسجيلات نادرة من ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي من أرشيف إذاعة "الشرق الأدنى".
وأول هذه التسجيلات كانت أغنية الأطفال "حُبّيني يا ست الدار"، وهي باللهجة الدارجة في يافا، وصيغت، كما وصفها بولص، موسيقياً بشكل يعكس ثقافة واسعة، مُجدّدة ومُتجدّدة، بعزف متقن، وتوزيع مبني على مفاهيم موسيقية تستدعي اكتمال الهارموني. تلتها أغنية "العيد" ذات النمط الكنسي الديني، إذ يشير بولص إلى أنه منذ مطلع القرن التاسع عشر كان ثمة توجهاً لاجتذاب مسيحيي الشرق الأوسط العرب نحو الكنائس الأوروبية عبر تعاليم الكنيسة، بما فيها النمط الغنائي الكنسي، مشيراً إلى أن أغنية "العيد" الفلسطينية اتكأت على لحن غربي عثر عليه في مطبوعات الكنيسة الإنغليكانية في عام 1859، إذ كان يُعتمد على هذه الألحان، مع الاستعانة بنصوص لشعراء عرب ذوي قدرات عالية على صياغة كلمات مؤثرة بالفصحى العربية تتناسب وطبيعة هذه الألحان الغربية الكنسية. في حين كان النموذج الثالث لموسيقى آلية، في فترة لا يمكن للكثيرين تصوّر انتشارها في فلسطين، وقتذاك، هي للملحن والموزع لبناني الأصل فلسطيني المولد والنشأة يوسف بتروني، المولود في يافا والمتوفى في بيرزيت، وذلك ضمن إنتاجات مجموعة حجرة موسيقية كان يديرها داخل الإذاعة تحت اسم "الأوركسترا الماندوليب"، هو الذي سبق أن عمل في إذاعة "هنا القدس" أيضاً، وله إنتاجات مهمة فيها. أشار بولص إلى أنها بنيت كما كان سائداً بطريقة البناء الهارموني العمودي، دون الابتعاد عن الأسلوب الاستشراقي في الألحان والأدوات الموسيقية المستخدمة، والتي تقدّم ما يشبه مقام الحجاز، ما يعكس تنوّع الأنماط الموسيقية التي كانت سائدة لدى الفلسطينيين قبل عام 1948.
يقول بولص إن الفلسطينيين، ما قبل النكبة، بنوا نوعاً خاصاً بهم من الموسيقى الفلسطينية بالاتكاء على مفاهيم من المنطقة المحيطة مع إعطائها روح المكان الفلسطيني؛ فيوسف رضوان، مثلاً، كان يقدّم المقام البغدادي أو المواويل العراقية بعد فلسطنتها، إذ باتت مقامات أو مواويل سبعاوية (نسبة إلى منطقة بئر السبع)، وكذلك الاستثمار في الموسيقى السائدة، التي باتت تعرف لاحقاً باسم الموسيقى الشعبية والفلكورية، وتطويرها كموسيقى الريف والبادية.

في حين انقسمت الموسيقى المدينية إلى جزأين، أحدهما يقدّم الموسيقى الشرقية بأنماط متعددة، بما فيها التخت الشرقي، والآخر يركز على الموسيقى الغربية والحداثة لا على تطوّر الموسيقى بشكلها الذاتي.

المساهمون