بمبادرة من عشرات الفنانات والفنانين البصريّين الفلسطينيّين وعدد من المؤسسات الثقافية والفنيّة، احتضنت قاعة مؤسسة عبد المحسن القطان في رام الله، يوم السبت، أكثر من 160 عملاً فنياً، شكّلت في مجموعها معرض "غزة لحظة تحوّل"، بحيث يشكل جزءاً من عمل جماعي متواصل.
وتنوعت الأعمال المشاركة ما بين لوحات من مدارس مختلفة، وأعمال تركيبية بأدوات متعددة، وأعمال سمعية بصرية، وأخرى انحازت إلى "الفيديو آرت"، علاوة على جداريات بأحجام مختلفة، تراوحت جميعها ما بين الكلاسيكي المباشر، والرمزي ذي الأبعاد التأويلية الأحادية أو المتعددة.
ومن المؤسسات التي بادرت إلى هذا المعرض رابطة الفنانين التشكيليين الفلسطينيين ومنتدى الفنون البصرية وحوش الفن الفلسطيني والمتحف الفلسطيني ومتحف جامعة بيرزيت.
وتقول ديما أرشيد، مديرة منتدى الفنون البصرية لـ"العربي الجديد"، إن معرض "غزة لحظة تحوّل" كان نتيجة مبادرات من فنانات وفنانين ونشطاء في مؤسسات وحراكات ثقافية وفنية، بهدف تسخير الفن ليحكي ما يحدث في فلسطين عامة الآن، وفي غزة على وجه الخصوص، خاصة مع قناعتنا بأن الفن، لاسيما في الحالة الفلسطينية، هو جزء من النضال ضد الاستعمار، بالتحديد بعد أشهر من الشعور بالعجز والإحباط.
وأشارت إلى أن أحد أكبر الأسئلة التي واجهت القائمين على المعرض مفاده ما إذا كان إقامة معرض كهذا، رغم أهمية أعماله والمشاركين فيه، كافيا لمواجهة الحالة الآنية التي نعيشها.. و"رغم قناعتنا بأنه غير كافٍ، وجدنا ألا نستسلم لعجزنا، وأن نقدم ما باستطاعتنا، ليكون الجمال الفلسطيني في مواجهة قبح الاحتلال".
وتجد أرشيد في المعرض، أحد الوسائل التي من خلالها يقوم الفنانون بتعميم السردية الفلسطينية ونشرها عالمياً، خاصة أن لكل واحدة أو واحد منهم جمهوره على المستوى الدولي والإقليمي، علاوة على المحلي. كاشفة لـ"العربي الجديد" أن ريع لوحات الفنانين سيذهب لصالح صندوق يدعم الفنانين البصريّين في قطاع غزة، ويعمل على إعادة الاعتبار له حال توقفت حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.
بدورها، أشارت فداء توما، مديرة مؤسسة عبد المحسن القطان، إلى أن جوهر هذا المعرض يقوم على إعادة موضوعة العمل الفني في مواجهة منظومة محو شعب بأكمله. لافتاً إلى أن حرب الإبادة على غزة، والتي تتواصل منذ 155 يوماً، تتطلب منّا التوقف وإعادة النظر فيما كنّا نقوم به، وما بات علينا الآن وفي قادم الأيام القيام به. مشددة على أن الفنّان يلعب دوراً حيوياً في المواجهة ما بين الاحتلال والشعب الفلسطيني بأكمله، وليس سكّان قطاع غزة فحسب.
وكشف الفنان يزيد عناني، مدير البرامج في مؤسسة عبد المحسن القطان، لـ"العربي الجديد"، إلى أن المعرض سيتواصل، ويتنقل بعد فترة إلى مدن فلسطينية أخرى، وأنه سيتحول إلى حدث فنّي محوري في فلسطين يسائل دور الفن والفنان الفلسطيني، وبالتالي سيكون سنوياً، بما يحاكي الواقع الآني وقتها، لافتاً إلى أنه من المقرر عقد لقاءات حوارية، وورشات عمل، ضمن فعاليات المعرض المتواصلة.
من جهته، لفت الفنان سليمان منصور، صاحب "جمل المحامل"، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن هذا المعرض يأتي كرد فعل تلقائي من الفنانين أنفسهم تجاه ما يحدث في قطاع غزة، خاصة أن ثقافتنا جزء أساسي ومهم من مقاومتنا للاحتلال، لذا وجدنا أننا يجب أن نقدّم شيئاً، بل شيئاً يليق بالثقافة الفلسطينية، ودور المثقف الفلسطيني باعتبار الثقافة فعل مقاومة. وفي هذا الإطار جاء هذا المعرض، الذي يشكل ليس محاكاة فقط لما يحدث من انتهاكات بحق الشعب الفلسطيني، بل كحوار ما بين أجيال من الفنانات والفنانين عبر أعمالهم متعددة الأشكال والطرائق والمواد المستخدمة، لافتاً إلى أن العديد من فناني قطاع غزة لم يتمكنوا من المشاركة بسبب تدمير أعمالهم الفنيّة، وصعوبة إرسال اللوحات حتى عبر شبكة الإنترنت.
ويتركب هذا المعرض، حسب القائمين عليه، كسؤال وكتجربة حيّة تساهم في نقاش دور الفن والفنان في هذه المرحلة الحرجة، وأيضاً السؤال حول ماهية القيم والممارسات الفنية التي تحتاجها المرحلة الآنية بعيداً عن الاجترار، وما يجب أن نكف ونتخلى عنه من الممارسات والقيم السابقة، بهدف الإسهام في تشكيل سردية جديدة ومرنة ومقاومة لآلة الاستعمار الوحشية في الحاضر والمستقبل.
كما يضع المعرض تكاتف الحركة الفنية الفلسطينية نصب عينيه، راصداً معظم عوائد بيع الأعمال الفنية في المعرض لدعم الحركة الفنية في غزة، مقاومةً لما تتعرض له من تدمير وإبادة، وما تشهده الإنتاجات الفنية من حرق وتنكيل وسرقة.