فلسطين حاضرة في "الجونة 7".. لكنْ أين لبنان؟

23 أكتوبر 2024
الضاحية الجنوبية لبيروت 2006: حروب إسرائيلية لكنّ الأفلام قليلة (باتريك باز/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يخصص "مهرجان الجونة السينمائي" مساحة لفلسطين في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة، حيث يعرض أفلامًا فلسطينية تعكس الواقع والتاريخ لتعزيز الوعي الثقافي والفني بالقضية الفلسطينية.

- يواجه المهرجان تحديات في توسيع نطاق عرض الأفلام الفلسطينية والعربية في الصالات التجارية، حيث تعيق عقبات الربح والخسارة انتشار الأفلام غير التجارية ذات الرسائل الهامة.

- يثير البرنامج الفلسطيني تساؤلات حول غياب برنامج لبناني، رغم الحرب الإسرائيلية في لبنان، مما يعكس الحاجة لتمثيل السينما اللبنانية وتسليط الضوء على المعاناة المشتركة.

 

مُجدّداً، يُخصِّص "مهرجان الجونة السينمائي" حيّزاً لفلسطين، فحرب الإبادة الإسرائيلية، المندلعة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 في قطاع غزّة، مستمرّة فيه، ومنتقلة إلى الضفة الغربية ولبنان. هذا حاصلٌ في العام الماضي أيضاً. "طوفان الأقصى" يؤجّل الدورة السادسة من موعدها المُحدَّد سلفاً بين 13 و20 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى موعدٍ آخر: 14 ـ 21 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه. حينها، يُمنح الحيّز اسماً تقليدياً (نافذة على فلسطين)، سيبقى في الدورة السابعة (24 أكتوبر/تشرين الأول ـ 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2024).

هذه خطوة تمزج الأخلاقيّ بثقافةٍ وفنون. مواجهة الجُرم الإسرائيلي تتمثّل بعرض أفلامٍ فلسطينية، تقول شيئاً من واقع وراهن وتاريخ. في الدورة السابقة، تُعرض أفلامٌ قديمة وحديثة الإنتاج، منها "باي باي طبريا" (2023) للفرنسية الجزائرية لينا سويلم، و"باب الشمس" (2004) للمصري يُسري نصرالله بنسخة مُرمّمة (عن رواية بالعنوان نفسه للّبناني الياس خوري، صادرة عام 1988). في الدورة الجديدة هذه، هناك ستة أفلام، بينها واحدٌ مُنتج قبل 52 عاماً: "المخدوعون" (1972) للمصري توفيق صالح، عن رواية بالعنوان نفسه (1963) للفلسطيني غسان كنفاني. إضافة إلى ثلاثة أفلام تُعرض في برامج أخرى، بينها روائي قصير، مُنتج حديثاً: "ما بعد" (2024) للفلسطينية مها حاج (العربي الجديد، 26 أغسطس/آب 2024).

هذا مطلوبٌ، رغم أنّ المطلوب الأهمّ كامنٌ في إتاحة مجالٍ أوسع لعرض أفلامٍ فلسطينية وعربية في الصالات التجارية العربية، خارج كلّ مناسبة أو احتفال أو تكريم. المطلوب الأهمّ أنْ توزّع أفلامٌ عربية، غير تجارية أيضاً، في مدن عربية، وهذا أساسيّ. لكنّ التوزيع مشغول بأرقام ربح وخسارة، والمهتمّ/المهتمّة بسينما عربية غير تجارية غير حاصِلَين على توزيع يتلاءم مع أهمية ما تطرحه أفلام عربية غير تجارية. "مهرجان الجونة السينمائي" مُكتفٍ بحدثٍ طاغٍ في الحياة اليومية، مع التنبّه إلى أنّ التوزيع السينمائي ليس وظيفته، أو وظيفة أي مهرجان سينمائي آخر.

مسألة التوزيع السينمائي العربي مطروحة سابقاً. نقّاد وصحافيون/صحافيات سينمائيون قليلون يتساءلون عن سبب انسداد أفق المُشاهدة العامة لأفلامٍ عربية في غير دولها الأساسية، إنْ تُعرض تجارياً في دولها الأساسية بشكل لائق. "مهرجان الجونة السينمائي" غير مُتمكّن من فعل شيءٍ آخر إزاء الجُرم الإسرائيلي في غزّة والضفة، باستثناء إيجاد مساحة للمُشاهدة، على أمل أنْ يكون هناك مشاهدون/مشاهدات لأفلامٍ مختارة لـ"نافذة على فلسطين 2".

مسألة أخرى يطرحها البرنامج الفلسطيني: ماذا عن لبنان؟ هناك عمل واحد فقط بعنوان "مشقلب"، يضمّ أربعة أفلام قصيرة، تتناول أحوال بلدٍ وناسه في الأعوام القليلة الماضية. لكنْ، منذ 23 سبتمبر/أيلول 2024، تشنّ إسرائيل حرب إبادة أخرى في مدن وقرى وبلدات لبنانية مختلفة، صانعةً موتاً وخراباً وتهجيراً واقتلاعاً ومَسحاً، كنسخةٍ عن الحاصل في غزّة. إذاً، ما سبب غياب برنامج لبناني في مهرجانٍ، يُعلن دعماً سينمائياً لفلسطين؟ لا تنافس في الموت والإجرام ونتائجهما بين بلدين، يواجهان أبشع نظام إسرائيلي حاكمٍ بالإبادة. لا نزاع ولا ادّعاء ولا غيرة، بل سؤال بسيط ومتواضع وعاديّ، فبعض السينما اللبنانية معنيٌّ بحروب البلد وبالحروب على البلد، وأفلامٌ عدّة تعاين وقائع تلك الحروب، عامةً أو بشكلٍ فرديّ ذاتيّ.

ربما يُقال إنّ الوقت ضيّق لتنظيم برنامج لبناني. هذا غير مُقنع. في لحظةٍ كهذه، ومع مهرجان كالجونة، تُسهَّل أمورٌ عدّة.

لا مطالبة لـ"مهرجان الجونة السينمائي" بفعلٍ محدّد، فالفعل، أيّ فعل، مُلكٌ له، ولآخرين وأخريات حقّ مناقشته نقدياً. قولُ هذا، بخصوص غياب حيّز للبنان السينمائي في دورته المقبلة، تساؤلٌ ربما لا إجابة واضحة عنه. وطبعاً، التساؤل نفسه غير ناتج من تشاوف وادّعاء وطنيّين باهتين. حرب الإبادة الإسرائيلية الجديدة في لبنان تُشبه الحاصل في فلسطين المحتلّة، والسابق عليها فيه معروفٌ وآثاره حيّةٌ إلى الآن. أفلامٌ لبنانية عدّة تتناول تفاصيل منه، ولعلّ "حرب تموز" (2006) بين إسرائيل وحزب الله تبقى الأكثر جذباً لصُنع أفلامٍ، لبنانية أولاً، رغم قلّتها (العربي الجديد، 27 سبتمبر/أيلول، 7 و12 أكتوبر/تشرين الأول 2024).

هذه تساؤلات. الحرب مستمرّة. الكتابة أيضاً، كصُنع الأفلام ومشاهدتها.

المساهمون