رغم التمثيل الرديء والسيناريوهات المصطنعة، تلقى فيديوهات مزيفة تروج لمعلومات مضللة وتؤجج التوتر الطائفي رواجاً كبيراً في الهند حيث يتصاعد التطرف الهندوسي بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
ويظهر في أحد هذه الفيديوهات ومدته خمس دقائق رجل مسلم يقوم بخلط سائل تنظيف الحمام في وجبة خفيفة تباع في الشارع، قبل أن يقوم أحد المارة بـ"مواجهته". وحصل الفيديو على أكثر من خمسة ملايين مشاهدة على "فيسبوك".
ويظهر فيديو آخر لديه 3.5 ملايين مشاهدة على "يوتيوب" رجلا يبيع الفاكهة، وهي مهنة كثير من المسلمين، وهو يقوم بغش الزبائن في الرمان، قبل الاعتداء عليه. ويقول التعليق المصاحب: "قبل شراء أي شيء من الجهاديين المسلمين، شاهدوا هذا الفيديو لبائع فاكهة مسلم".
ورداً على سؤال حول تأثيرها، يصر صانعو هذه المقاطع المصورة أن هذه مجرد فيديوهات "للترفيه" وكسب المال.
ملايين المتابعين
وانتج ناريندرا فارما مقطع الفيديو حول سائل تنظيف الحمام وهو يملك صفحة على "فيسبوك" مع 55 ألف متابع ويدير قناة ناجحة على "يوتيوب".
يؤكد الشاب (28 عاماً)، لوكالة فرانس برس، أن مقاطع الفيديو تلك قد تحقق له ولفريقه المؤلف من ستة أشخاص 250 ألف روبية (3 آلاف دولار) شهرياً من "يوتيوب" و"فيسبوك"، اعتماداً على عدد المشاهدات التي يحصلون عليها.
وأضاف: "كل شخص لديه مسؤوليات مختلفة. من كتابة نص الفيديو إلى تصويره ثم تحريره قبل تحميله". وأصر: "نصنع هذه الفيديوهات لتوعية الناس من أجل تجنب حوادث مماثلة في الحقيقة في المجتمع".
وقال راجو بهارتي الذي يدير قناة عبر "يوتيوب" مع 2,89 مليون متابع وقام بتحميل مئات مقاطع الفيديو، بينها مقطع بائع الفاكهة المسلم، إنه "لا يحرض على الكراهية". وأكد: "نقوم بإنتاج مقاطع فيديو حول الاحتيال الرقمي وخطف الأطفال أو كيف يقوم أصحاب المحلات أو الباعة المتجولون بغش عامة الناس". وأصر: "هدفنا ليس الإضرار بمشاعر أي دين أو مجتمع. نريد فقط توعية الناس".
إخواننا الهندوس
يقول خبراء إن مقاطع الفيديو مثل هذه والتي تتم مشاركتها على نطاق واسع تعزز الصور النمطية السلبية ونظريات المؤامرة عن المسلمين في الهند.
ويبلغ عدد سكان الهند 1,4 مليار شخص، بينهم 210 ملايين مسلم.
ويظهر في أحد هذه المقاطع التي حظيت بـ 1,2 مليون مشاهدة، رجل ارتدى البرقع تتم مطاردته مع طفل "مخطوف" تحت ذراعه. وجاء في التعليق المصاحب: "البرقع يخفي الأنشطة الإرهابية. البرقع يروج للجريمة. يجب منع البرقع في الهند".
بينما تظهر في مقاطع أخرى سيدات هندوسيات قيل إنهن خدعن للزواج بمسلمين، وهو اتهام شائع من قبل اليمين الهندوسي المتطرف.
وتستخدم هذه الفيديوهات في حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي في بعض الأحيان للدعوة إلى مقاطعة المسلمين اقتصادياً، أو الهجوم عليهم، أو عند اندلاع توترات طائفية.
وكتب أحد المستخدمين تعليقاً على مقطع فيديو سائل تنظيف الحمام: "استيقظوا أيها الأخوة والأخوات الهندوس، استيقظوا إما الآن أو أبداً. المقاطعة الاقتصادية هي الخيار الوحيد لهؤلاء الجهاديين".
وحذف بعض من صانعي المحتوى مقاطع الفيديو الخاصة بهم بعد انتشارها على نطاق واسع ثم فضح زيفها من قبل "فرانس برس" وغيرها من مؤسسات تقصي الحقائق.
وعند بدء انتشار مقطع الفيديو الخاص بسائل تنظيف الحمام، بدأ فيرما بتلقي مكالمات من وسائل إعلام واضطر للحديث مع الشرطة. وأكد أنه شعر "بالخوف" وبدأ منذ حينه بالتركيز على مواضيع بريئة مثل المقالب أو الرقص.
ويحاول بعض المنتجين التحايل على ضوابط وسائل التواصل الاجتماعي عبر نشر "إخلاء مسؤولية" سريع على مقاطع الفيديو وتذكر أنها مقاطع مصطنعة، ثم يقوم المنتجون بتصنيفها في إطار "الترفيه" عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب بارانجوي غوها ثاكوترتا، وهو مؤلف وصانع أفلام يراقب المحتوى المضلل وخطاب الكراهية. وقال: "هذه الثغرة الحقيقية حتى بعد مشاركتها مع ادعاء كاذب فإن بإمكانها نشر المعلومات المضللة عبر وضع إخلاء المسؤولية".
وحتى عند إزالة مقاطع الفيديو، فإنها تعاود الظهور في بعض الأحيان.
خطوات هامة
رداً على مقاطع الفيديو المذكورة، أكدت شركة ميتا التي تملك "فيسبوك" أنها تحقق فيها. بينما لم يرد "يوتيوب" ولا "تويتر" ولا الحكومة الهندية على طلبات التعليق.
وأكدت "ميتا" في بيان: "لا نسمح بخطاب الكراهية على منصتنا ونقوم بإزالته عندما نعثر عليه أو يتم إعلامنا به". وأصرت الشركة على أنها تقوم بإزالة المحتوى الذي ينتهك "معايير المجتمع" وتحد من نشر القصص التي تصنف على أنها كاذبة من قبل مدققي الحقائق التابعين لجهات خارجية، و"تقوم بإعلام الناس ليتمكنوا من تحديد ما يقرؤونه ويثقون به ويشاركونه".
وأثبتت "فرانس برس" عدم صحة فيديو سائل تنظيف المرحاض على "فيسبوك".
وبموجب سياسات "فيسبوك"، حظيت هذه المنشورات بتوزيع أقل وتم ربطها بمقال "فرانس برس" الذي أثبت عدم صحتها.
مع ذلك، فإن كلمات البحث الرئيسية ومنصات الوسائط الاجتماعية الأخرى عثرت على أن عدداً من المنشورات التي تتضمن الفيديو لا تزال موجودة.
وأشار ثاكورتا إلى أن العديد من الهنود غالباً يضغطون زر الإعجاب ويشاركون مقاطع فيديو تؤكد تحيزهم من دون التحقق من صحتها. وأكد: "نحن بحاجة لتنمية الوعي الاجتماعي بين الناس. والوعي على وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن يكون جزءاً من مناهجنا التعليمية".
على الرغم من وجود قوانين لتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي، فإنها لا تطبق بشكل فعال في بلد يبلغ تعداد سكانه 1,4 مليار نسمة وفيه 600 مليون هاتف ذكي.
وأضاف ثاكورتا: "تستخدم (هذه المنصات) أو يساء استخدامها لنشر الرهاب ضدّ المسلمين وكراهية المسلمين في الهند".
(فرانس برس)