"من واجبنا الإنساني أولاً، ثم لكوننا مجتمع متزلجين، أن نقف وقفة تضامنية نصرة لأهلنا الصامدين في غزة وجنوب لبنان. ندعوكم للانضمام إلينا في مسيرة تزلج لرفع الأعلام واليافطات وإسماع صوت الهتافات لبيروت والعالم. لا تنسوا الكوفية". بهذه العبارات، أطلقت مجموعة فيلق الحناظل للتزلّج دعوة لعموم الناس في لبنان للانضمام إلى مسيرة تزلّج على الألواح الخشبية في بيروت بعد ظهر يوم السبت الماضي، في الثاني من مارس/آذار، تلتها وقفة تضامنية الأحد في الثالث منه.
الوقفة الثانية خُصّصت للغناء لفلسطين ولجمع التبرّعات لمجتمع المتزلّجين في قطاع غزّة الذي يشهد للشهر السادس اليوم حملة تجويع وإبادة ممنهجة يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي. جميع هذه الأنشطة هي بالشراكة مع الجمعية اللبنانية للتزلّج، التي أسسها فريق من الهواة الشباب في عام 2011 في بيروت.
بدايات فيلق الحناظل
نواة ذلك الفريق تشكّلت مع بدايات الألفية الثالثة من أصدقاء بعمر المراهقة مولعين بالتزلّج، ما لبث أن هاجر كثير منهم إثر العدوان الإسرائيلي على لبنان في عام 2006، ومنهم اثنان من المؤسسين، هما الشقيقان سيدني ورولاند شلوق اللذين أتاحا باحة منزلهما في بيروت لرفاقهما لممارسة رياضة التزلّج في ظلّ غياب المساحات المخصّصة للعب في المدينة.
بعيد العدوان، عاد مجتمع المتزلّجين إلى مزاولة نشاطه، قبل أن يقرّر من تبقّى من المجموعة عام 2011 تأسيس جمعية رسمية، فكانت الجمعية اللبنانية للتزلّج (على الألواح الخشبية)، التي يرعى أنشطتها غسان السلمان من الفريق المؤسس.
بعد انفجار مرفأ بيروت في عام 2020، برزت عدّة مبادرات دعم للأنشطة الثقافية في بيروت، ما ساعد الجمعية المذكورة على الحصول على عدد من ألواح التزلّج مستعملة، والمساعدة على تأسيس حديقة معدّة خاصة للتزلّج في حرش بيروت. وهنا، كانت بداية تأسيس فيلق الحناظل للتزلّج التي انطلقت باسمها الرسمي في السابع والعشرين من يناير/كانون الثاني مطلع العام الحالي، مع فيديو على "إنستغرام" احتوى رسالة تضامنية مع الشعب الفلسطيني، وجّهها شبّان وشابّات من مجتمع التزلّج في بيروت. يضمّ الفيلق بمجمله مجموعة من الفتيان من سكّان مدينة بيروت من خلفيات متنوّعة، يشرف على تنظيم أنشطتهم كرم سعد، وهو من أعضاء الجمعية اللبنانية للتزلّج. صمّم سعد كذلك شعار الفيلق، ويظهر فيه حنظلة على لوح تزلّج؛ وهو الشخصية التي ابتدعها رسّام الكاريكاتور الفلسطيني الشهيد ناجي العلي، لتصبح رمزاً للصمود والمقاومة في وجه الاحتلال والتهجير، وصوتاً للفقراء والمهمّشين.
أحوال اجتماعية صعبة
يضمّ فيلق الحناظل فتياناً من بيروت يعيشون أحوالاً اجتماعية لا تسمح لهم باقتناء لوح تزلّج، فسعر اللوح الواحد يصل إلى قرابة الـ200 دولار. كما يضم الفيلق فتياناً فلسطينيين وسوريين لاجئين في لبنان. "كلّ الشعوب المهجّرة هي حنظلة، بما فيها الشعبان الفلسطيني والسوري"، يقول سعد "وكذلك نحن اللبنانيين بتنا نشعر بالغربة ونحن داخل وطننا، رغم أننا جميعاً، لبنانيين وفلسطينيين وسوريين، نحيا في بلادنا؛ بلاد الشام".
يتحدّث سعد عن تحدّيات يواجهونها في الجمعية اللبنانية للتزلّج؛ إذ تستفيد جمعيات أخرى من مشهد المتزلّجين لتمويل مشاريع خاصة بها، في حين أن تلك الجهات لا تمتلك ثقافة مجتمع التزلّج ولا فلسفته التي نشأ عليها سعد ورفاقه. بناء على ذلك، يفضّل أعضاء الجمعية الاعتماد على جهودهم الشخصية الفردية وعلى دعم الأصدقاء لهم محلياً، كما الأصدقاء في بلدان أخرى، كالأردن والإمارات، وبلدان أوروبية، كلها تتبرّع بألواح تزلّج وغيرها من مواد لصيانة الألواح.
هذا كله ساعد على إمكانية انضمام المزيد من الأولاد إلى فيلق الحناظل إذ ينمّون مهاراتهم في التزلّج، وفي الآن نفسه يحظون بالتوجيه والإرشاد الجتماعي. يشير سعد إلى تحدّيات يمرّ بها، وهو موجّه الفريق؛ فيقول: "في صغرنا كنا نحصل على أشرطة فيديو عن التزلّج لنفهم هذا المجال أكثر ونتحمّس على التقدّم فيه. اليوم هناك كثير من المواد البصرية على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنّها تعزّز الفردية والنجومية بدل التركيز على عقلية العمل ضمن فريق الأساسية لفكرة التزلّج".
أمام هذا، يحرص سعد على تشجيع الفتيان على اللعب فرقةً وفق روح الاحترام والتشجيع المتبادلين، ما يساعدهم على تحدّي الذات والمخاوف الشخصية، بدلاً من تعزيز فكرة التنافس والتحدّي القائمين على الاستعراض.
في موضع آخر، يدأب سعد على تعزيز الروح الثورية والوعي الاجتماعي لدى الحناظل، من خلال جلسات عزف وغناء تعلّموا فيها أغاني للشيخ إمام، وأغنيات فلسطينية، محوّلين لوح التزلّج إلى آلات إيقاعية ترافق غناءهم، فيما يعزف سعد على آلة العود.
تجدر الإشارة إلى أن بعض الفتيان في فيلق الحناظل كانوا باعة متجوّلين فتنوا بمشهد التزلّج في شوارع المدينة، وسرعان ما أصبحوا من أعضاء الفيلق المداومين، إذ إن أهمية تلك الرياضة تكمن في قربها من حياتهم في بيئة الشارع، وليس خلف أبواب المراكز المغلقة. عالم التزلّج قائم على روح التمرّد على حد تعبير سعد الذي يقول "حنظلة هو الطفل المهمّش المغترب الذي أدار ظهره للعالم وهو يشاهد كل ما يحدث، ويرفض واقعه المرير". يضيف: "الفتيان في فيلق الحناظل يواجهون ما يعيشونه من حرمان في ممارستهم لرياضة التزلّج، الأمر الذي يحفّزهم على مقاومة التهميش الاجتماعي والتحدّيات المعيشية ويساعدهم على الانفتاح على الحياة".
يحافظ مجتمع المتزلّجين في لبنان على التواصل الدائم مع رفاقهم في فلسطين، لا سيّما في الفترة الحالية؛ إذ ترزح غزّة تحت العدوان الإسرائيلي، الأمر الذي حفّز مجتمع المتزلّجين في كل مكان لإبراز تضامنهم مع الشعب الفلسطيني. وفي ديسمبر الماضي، انطلق تحالف "متزلّجون من أجل فلسطين" كمنصّة لدعم رياضة التزلّج بتضامن مستمر مع فلسطين، حيث تعدّ رياضة التزلّج هناك مهرباً من الاحتلال الإسرائيلي، وملاذاً آمناً كأسلوب حرّ للتعبير عن الذات.