"زمن كورونا" (2020) لفرح شيّا نتاجُ حالةٍ لبنانية مُصابة بوباء منتشرٍ في العالم. فيلمٌ قصير (30 دقيقة) منبثقٌ من أحوال أفرادٍ يعانون تداعيات حجرٍ صحّي مُطالَبون بالتزامه. مراهقون في المرحلة الثانوية من دراستهم، ونساء ورجال يعملون في مهنٍ مختلفة، بعضها على تخوم المواجهة اليومية مع الفيروس (شرطي بلدية، ممرضّة)، وأستاذان مُضطرّان لتدريس مادتي الفلسفة (سيريل جبر) والعلوم (نديم شماس) عبر "أونلاين"، في وضعٍ غير سليم نهائياً لبلدٍ معطوبٍ بشدّة.
اختصارٌ كهذا يكفي لتبيان مسارٍ دراميّ لحكايات عادية، يعيشها كثيرون. القلق والخوف والاستغلال مسائل يُدركها هؤلاء، بينما طلاّب المدرسة يريدون خلاصاً من جحيم تدريس عن بُعدٍ، فهم يعيشون حصاراً يخنق مراهقتهم الحيوية ورغباتهم الفتيّة. الحبّ قائمٌ بين لميا (يارا زخّور) ووليد (نيكولا طوبيا) ابن آمال (ندى أبو فرحات) شقيقة الراهبة إيميلي (الأخت إيميلي جيروم)، لكن الوباء وجيزيل (جوزيان بولس)، والدة لميا، يحاولان منع اللقاء بينهما، ومع هذا يحصل اللقاء وإنْ بعيداً عن الكاميرا، وسائق سيارة الأجرة (وسام كمال) يكشف سرّ لهفة وليد، ويُتيح شرطيّ البلدية (بديع أبو شقرا) له فرصة الوصول إليها.
الهواتف الذكية و"وبكام" أدوات أساسية لتصوير "زمن كورونا" (إنتاج جوزيان بولس)، المُشارك في الدورة الـ4 (31 أكتوبر/ تشرين الأول ـ 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020) لـ"مهرجان الفيلم اللبناني في كندا". التوليف (شيّا) بارعٌ في سرد الحكايات المفتوحة على تفاصيل يومية، وعلى وقائع عيشٍ في بلدٍ منهار، تحاول "انتفاضة 17 أكتوبر" (2019) أنْ تُخفِّف من وطأته (الانهيار)، قبل تفشّي كورونا، فتصطلح أحوال السلطة الفاسدة والناهبة. السيناريو (إسكندر نجّار) يروي هذا ببساطة وشفافية وواقعية وصدق. كلّ فردٍ محجوز ومحجور، والحجز والحَجْر يفرضان سلوكاً وكلاماً وتواصلاً غير حاضرة كلّها في ظروفٍ أخرى. لكنّ "زمن كورونا" يتحاشى قسوة واقع يوميّ، مستعيناً بشخصياتٍ تمارس سخريتها بجدّية، وتُثير ضحكاً من دون قصدٍ، فالمناخ مُثقل بأحوال مُقلقة، واضطراب البعض يُشبه الكوميديا.
للمواقف الإنسانية حيّزها، فالتمريض مهنةٌ تقول فيها آمال كلاماً ووصفاً معروفين، لكن بلكنة لا علاقة لها بالمُزاح والسخرية والنكات؛ وشرطيّ البلدية يبوح بمكنونات نفسٍ في مواجهة الوباء ومتطلّباته وقواعده المفروضة على الناس، محاولاً أنْ يمزج بين جدّية مهنته وميله إلى ثورة لبنانية معطّلة بسببٍ سلطة فاسدة وناهبة، تستفيد من تفشّي الوباء لتثبيت قمعها ووحشية تعاملها مع الناس؛ وسائق سيارة الأجرة، ذو الملامح الكوميدية بلكنتها وسردها الحكائيّ، يروي أشياء عن أناسٍ ومهنة وآليات اشتغال السلطة، بالطريقة نفسها التي يعتمدها لبنانيون يُعانون أزماتٍ جمّة. أما الراهبة، فتبدو أكثر الشخصيات انخراطاً في السخرية المريرة، التي تستند إلى فعلٍ إيمانيّ لن يحول دون التفوّه بمفردات شعبية عابرة، في معاينتها راهناً، واستعادتها ذاكرة، وتذكّرها تاريخ حربٍ أهلية لبنانية، تماماً كجيزيل، التي تُخبر ابنتها لميا أنّها (الأم) غير متمكّنة من الاحتفال بعيد ميلادها الـ18، بسبب تلك الحرب الأهلية في بدايتها.
كلّ كلام تفصيلي عن "زمن كورونا" لن يمنع مُشاهدةً تمزج الكوميديا الساخرة بآلامٍ وقلاقل وارتباكات ومخاوف، إمّا بسبب الوباء، وإمّا بسبب فساد سلطة ونهبها. استغلال التاجر ويليام وكيم (ميشال جبر) لحالة كهذه انعكاسٌ لوحش رأسماليّ غير آبه بالناس وخرابهم وموتهم. كلّ كلام يسرد حالاتٍ ويصف أحوالاً لن يبلغ مداه إنْ تتعطّل المُشاهدة، فالنصّ غنيٌّ بتفاصيل كثيرة، تنسج فرح شيّا منها حبكةً متكاملة عن واقعٍ وانفعالاتٍ وخبريّات آنيّة.
عام 2020، تُنهي فرح شيّا فيلماً قديماً لها، تنجزه ضمن ورشة عمل بعنوان "لا تحتاج إلى أمورٍ كثيرة كي تروي حكاية"، واضعةً له عنواناً باللغة الإنكليزية (هناك تلاعب ببعض حروف العنوان لإيفاء المغزى صورة وافية عن محتوى النصّ)، يعكس أشياء من حياة أناسٍ كثيرين في عالم وسائل التواصل الاجتماعي: Social Notworking. ففي 4 دقائق فقط، تختزل شيّا (كتابة وإخراجاً وتوليفاً وغرافيكس) واقعاً لبنانياً حيّاً، بسردها حكاية بوب مرعي (غيث طحطح)، الفَرِح بعودته إلى "بلده لبنان" بعد 10 أعوام له في الولايات المتحدّة الأميركية، والمستند إلى قولٍ لغاندي (You Are What You Think)، يُعلِّق صورة له مع الجملة على حائط غرفته. لكن جاره أبو عضل (خالد السيّد) سكّير يُهدِّد الناس بسلاحٍ، ثم يكتشف أنْ بوب يسخر منه على "فيسبوك"، ليبدأ ـ بلحظات قليلة ـ صدامٌ صامتٌ بينهما، يزداد قسوة وعنفاً بسبب سوء فهم في ترجمة عربية لجملة إنكليزية.
وسائل التواصل الاجتماعي، والعلاقات القائمة عبر "أونلاين"، ومسائل التقنيات في حياة أناسٍ يعانون أزماتٍ جمّة (أبو عضل أحد وجوه تلك الأزمة اللبنانية في علاقته بالسلاح والتهديد والتشبيح، مثلاً)، أمورٌ تُصبح عناوين أساسية في مشروعٍ سينمائي، ترسم فرح شيّا ملامحه الأولى في Social Notworking، وتُكمله في "زمن كورونا" (إنتاج سونيا حدشيتي)، كاشفةً فيه معالم عيشٍ غير سوي وغير سليم وغير صحّي، في بلدٍ ينخره دمار متنوّعٌ وقاسٍ ومؤلم.