لطالما كرّر الممثل الأميركي جيم كافيزيل خلال لقاءاته عبارة "لقد رأيت الله"، وذلك بعدما أدى دور السيد المسيح في فيلم ميل غيبسون، The Passion Of The Christ ("آلام المسيح")، الصادر عام 2004. عمل جعل كافيزيل من أولئك النجوم المحببين لدى شريحة واسعة من المتدينين في الولايات المتحدة.
إذن، لا عجب في أن يتم اختياره مجدداً لأداء دور يتصل بأفكار اليمين الديني الأميركي، وذلك بعدما أكسبته الشخصية السابقة هالة نورانيّة.
بعد مرور 19 عاماً على صدور فيلم "آلام المسيح"، يعود كافيزيل مجدداً في فيلم Sound of Freedom ("صوت الحرية") بدور العميل السري تيم بالارد، الذي قامر بوظيفته ذات الامتيازات الواسعة، ومضى تاركاً حياته الهانئة تذهب مهبّ الريح، مقابل أن يحقق غاية إنسانية عظمى، ألا وهي إنقاذ أطفال في أميركا الجنوبية من شبكة اتجار جنسيّ.
يستند الفيلم إلى قصة حقيقية. اختار المخرج المكسيكي أليخاندرو غوميز مونتيفاردي، بالشراكة مع الكاتب المساعد رود بار، أن يبدآها من كولومبيا، حيث تقطن أسرة صغيرة مكونة من أب وطفلين.
تزور ملكة جمال سابقة بيته وتقنعه بإرسال طفليه إلى مسابقة مواهب للأطفال، ليتضح في ما بعد أن المسابقة المزعومة ما هي إلّا فخّ يراد اجتذاب الأطفال إليه بغية إخضاعهم إلى جلسات تصوير لا تخلو من الإيحاءات، وإدراج الصور ضمن كاتالوغات تُعرَض على بيدوفيليين.
استطاع بالارد، بمساعدة من المخابرات الفيدرالية، التقاط طرف الخيط. انتهت مهمته الرسمية عندما استدرج كاتباً أميركياً متواطئاً مع هذه الشبكة للاعتراف، بيد أنه لم يتوقف هنا، بل اعتبر القضية تمسه شخصياً، انطلاقاً من كونه أباً لخمسة أطفال، إضافة إلى نشأته الدينية التي تحثّه على محاربة الشر.
في عام 2019، أنجز مونتيفاردي فيلم Sound of Freedom وكان من المتوقع أن يصدر حينها. تعهدت شركة 20 The Century Fox توزيعه، قبل أن تعزم شركة ديزني ذات الأجندة الليبرالية على شرائها، ما أدى إلى سحب الفيلم من الإنتاج، ليغدو مهدداً أن يصبح حبيس الأدراج.
مطلع هذا العام، تولت شركة Angle Studios تسويق الفيلم وإدارة حملات لدعمه على وسائل التواصل الاجتماعي. الشركة نفسها قدمت هذه السنة أيضاً فيلماً دينياً آخر، هو His Only Son، عن قصة النبي إبراهيم.
عند بدء العمل على الفيلم في عام 2015، التقى مونتيفاردي بالارد مراتٍ عدّة. اختار الأخير أن يؤدي جيم كافيزيل شخصيته، ربما لتقارب الاثنين أيديولوجياً، الأمر الذي جعل الممثل يتماهى مع الشخصية التي يؤديها، ويعتبر نفسه شريكاً بفعلها البطولي الحقيقي.
كافيزيل، الذي عرف بتدينه وتأييده للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فُسرت بعض تصريحاته بأنه يدافع عن جماعة QAnon اليمينيّة المتطرفة الموالية لترامب. تعتقد هذه الجماعة بنظرية تقول إن نخب الديمقراطيين والقائمين على هوليوود، ما هم إلا لوبي شيطاني مسؤول عن شبكة اتجار جنسي بالأطفال، وهذا الأمر من الأسباب الرئيسية التي عرقلت تسويق الفيلم.
وما زاد الطين بلّة، أن ترامب أعجب بالفيلم، ودعا كافيزيل وبالارد ومونتيفاردي لعرضٍ خاص، لكن الأخير لم يحضر، كمحاولة لانتشال فيلمه من الأجندات التي ألبسته إياها بعض صحف اليسار. لكن تقارب القائمين على الفيلم المعلن مع سياسة ترامب، أوقع الفيلم في دوامة من الاتهامات. وحده مونتيفاردي انبرى محاولاً تبرئة فيلمه؛ إذ أشار إلى أنه حين شرع بكتابة السيناريو لم تكن جماعة QAnon قد ظهرت بعد، وعند الانتهاء من تصويره لم تكن أفكارهم قد لاقت الرواج الكبير الذي شهد أوجه أثناء الموجة الأولى لانتشار كوفيد-19 في عام 2020.
إلّا أن العاصفة الهوجاء وحملات الهجوم التي شنتها الصحف اليسارية على الفيلم أتت بنتيجة عكسية، إذ هبّ كثيرون لدعمه، وذلك في ظل هيمنة الأيديولوجيا الليبرالية على السينما الأميركية، ورواج الأفلام التي تحمل قيم الصوابيّة السياسية والصحوة الأخلاقية. حقق الفيلم بعد الحملات الموالية والمضادّة أرباحاً غير متوقعة، هو عمل فيلم مستقل يحرز أرباحاً كهذه منذ عام 2019، أي بعد الفيلم الكوري الجنوبي الحاصل على أوسكار Parasite.
بعيداً عن خطاب الفيلم، يعلم بعضهم قصة تيم بالارد، ولا سيما بعدما أُنتِج عنه فيلمان وثائقيان صدرا عام 2016، وهما Operation Toussaint وThe Abolitionists. تحوّل بعدها بالارد إلى نجم يتردد ظهوره في المقابلات التلفزيونية.
في السنة التي التقى فيها مونتيفاردي، كان بالارد يخطط لتكليف كاتب سيناريو بإنجاز قصّة حياته عبر مسلسل، فما الجديد الذي قدمه هذا الفيلم؟
مونتيفاردي الذي عرفناه مسبقاً من خلال فيلمه Bella (حاصل على الجائزة الأولى في مهرجان تورينتو عام 2006)، اتضح في فيلمه الأخير أنه يعرف جيداً كيف يحكي حكاية حقيقية، من دون الإغراق في تقريرية مملة، إذ يضيف بعضاً من الخيال المضبوط المناسب لواقعية القصة. يُرفق الشريط بموسيقى جنائزية متناغمة مع أجواء العمل، ولا يستطرد بحشو لا طائل منه، حتى أن حياة بالارد الشخصية لا تعرض سوى بمشاهد قليلة كفيلة بإشباع تساؤلاتنا حول المناخ الحياتي الذي يعيش فيه البطل.
على الرغم من أن الفيلم يتناول قضية حساسة، من شأنها أن تجعل المشاهد يتورّط عاطفيّاً في القصة، إلّا أن حالة من البرود تخيّم على العمل، الأمر يتعلق بأداء الممثلين، لا سيما أداء كافيزيل وتعبيرات وجهه المتجهمة، وتفاعله مع الشخصيات الأخرى، بالإضافة إلى الحوار الغارق أحياناً بالمباشرة والوعظ.
عوائد الفيلم تجاوزت 178 مليون دولار منذ عرضه الأول في أميركا وكندا، والذي تزامن مع يوم الاستقلال الأميركي في الرابع من يوليو/ تموز المنصرم، مقابل ميزانية إنتاج متقشفة لا تتجاوز 14.5 مليون دولار. والمثير للدهشة أن الفيلم تفوق في عائد العروض المحلية على أحدث أجزاء سلسلة إنديانا جونز ذات الجماهيرية الواسعة Indianan Jones: The Dial Of Destiny (بلغت عائداته محلياً 173 مليون دولار).