حادث سير غير متوقّع، يفضح مستوراً يتعلّق بالأمن والسياسة والفساد. سائحان أميركيان في أثينا، تتحوّل رحلتهما إلى جحيمٍ أرضيّ. بَكيت (Beckett) (الأميركي جون ديفيد واشنطن) ينجو من الحادث، لكنّ صديقته أبريل هانسن (السويدية أليسيا فكَنْدر) تُقتل فوراً. ثانية واحدة فقط، تغمض عينا بَكيت فيهما، فيقع حادثٌ، يؤدّي إلى كشف عملية جُرمية، تتداخل فيها عوامل عدّة في السياسة والاستخبارات والمصالح والفساد والعصابات، إذْ تُعقد صفقات مشبوهة، يُقتل زعيمٌ سياسيّ مُعارض بسببها. أو ربما يكون السبب مختلفٌ، فمقتل الزعيم السياسي بسبب الصفقات يقول به ستيفن تايْنان (الأميركي بويد هولبروك)، المسؤول الاستخباراتي في السفارة الأميركية في اليونان.
أيكون القول تغطيةً لعملية أكبر، أو تأكيداً لواقع؟ لن تكون الإجابة مهمّة، فالبنية الحكائية معقودة على مسارٍ يمرّ به بَكيت بعد حادث السير، والعوالم المفتوحة أمامه، والتحدّيات التي يُفترض به أنْ يغلبها، والتفاصيل الأخرى تبقى هامشية، رغم مشاركتها في صُنع الحدث الدرامي كلّه.
يبدأ "بَكيت" (Beckett 2021) من إنتاج نتفليكس، للإيطالي فرديناندو تشيلو فيلومارينو، بمشاهد مليئة بالحبّ والرومانسية والانفعالات الجميلة بين شابين، يزوران أثينا، قبل أنْ يُنصَحَا بمغادرتها إلى الريف، لأنّ تظاهراتٍ ستُقام قريباً جداً، في ساحةٍ يُطلّ عليها فندقهما، ربما تؤدّي إلى أعمال شغب. فالبلد مضطرب، وأحد الزعماء المرشّحين لانتخابات ما "يواجِه آلة فساد ونهبٍ"، وهناك مناصرون له سيملأون الشوارع باعدادٍ كبيرة، كما يُتوقَّع.
في الطريق إلى الريف، يقع حادث السير، فتصطدم سيارة بَكيت وأبريل بمنزلٍ قديم. في قسم الشرطة، يكتشف الضابط كْزانِكِس (اليوناني بانوس كورونِس) أنّ بَكيت منتبهٌ، رغم الحادث، إلى وجود صبيّ في المنزل، الذي يُفترض به أنْ يكون مهجوراً. يريد بَكيت الاطمئنان إلى أنّ الصبيّ والمرأة بخير (هناك امرأة معه ينتبه إليها بَكيت أيضاً). يعده الضابط بذلك. لكنّ كلّ شيءٍ يتبدّل فجأة، إذْ يُطارده الضابط، مع زملاء له، في كلّ مكان.
لن تؤثّر معرفة تفاصيل كهذه، كما القول بصفقات واغتيال وعمليات احتيال وتواطؤ سياسي أمني جُرميّ، في مُشاهدة فيلمٍ، يجمع التشويق والأكشن والمطاردات بحسّ بوليسي سياسي مبطّن. الشأن السياسي ـ الإجرامي ـ الاستخباراتيّ ـ البوليسي غير مهمّ كثيراً، إذْ يبقى نواة درامية لنصٍّ مفتوح على تشويقٍ، تتخلّله مواقف نضالية لأفرادٍ يلتقيهم بَكيت في رحلة هروبه إلى الخلاص. لن يؤثّر كشف لحظاتٍ أخيرة في مُشاهدةٍ، تُثير شيئاً من المتعة والتسلية، وتحثّ على متابعة هادئة لمسار من الغليان متنوّع الأشكال، ولحركةٍ صاخبة يما فيها من ركضٍ وتعبٍ وبحثٍ عن منفذٍ، يريده بَكيت للنجاة من موتٍ يُلاحقه منذ الحادث، ولمعرفة سبب تحوّله المفاجئ من سائح رومانسي إلى مُطارَدٍ مُتّهم بما لن يعرفه أبداً، قبل اكتشافه حقيقة الحاصل معه (!).
في هذا، يرتكز "بَكيت" Beckett ـ المعروض للمرة الأولى دولياً في الدورة الـ74 (4 ـ 14 أغسطس/ آب 2021) لـ"مهرجان لوكارنو السينمائي" ـ على تصوير (التايلندي سايمبْهو موكديبْروم) يُزيد الإثارة والتشويق حدّة وجمالياتٍ، تتلاءم ومتطلّبات هذا النوع السينمائي، خصوصاً في المطاردات الحاصلة في الشوارع، أو في أمكنة شاسعة ومغلقة، أو في حدائق وغابات.التوليف (الإيطالي فالتر فاسانو) يُكمِل النسق نفسه في ترتيب المشاهد، ويضخّ إضافاتٍ مقبولة على الإثارة والتشويق، ضمن إطار مبسّط ومتماسك يصنع فيلماً مُسلّياً، تعرضه المنصّة الأميركية "نتفليكس"، بدءاً من 13 أغسطس/ آب 2021.
فيلمٌ يُضاف إلى لائحةٍ طويلة من أفلام التشويق، من دون اهتمامٍ بتقديم جديدٍ أو مختلف، مع امتلاكه حِرفية الاشتغال الفني المطلوب.