هل يمكن اقتباس حكاية حورية البحر الصغيرة لفيلم رياضي؟ Bubble يجيب بنعم. مخرج العمل، تيتسرو أراكي (Tetsuro Araki)، وصفه بـ "مهرجان تيتسورو أراكي"؛ إذ كان طاقم العمل من الأسماء الكبرى في عالم الأنمي، بدءاً من المخرج نفسه، الذي قدم Death Note وAttack on Titan. ليس هذا فقط، لا يمكن تصنيف العمل تحت نوع أو اثنين فقط؛ فهو رياضي، ورومانسي، وفانتازي، وخيال علمي، من دون أن يطغى تصنيف على الآخر.
كيف ذلك؟ يدور الفيلم حول مجموعة أولاد يلعبون الباركور في طوكيو المدمرة نتيجة كارثة غريبة، لم يستطع العلماء فهمها، وهي هجوم فقاعات هائل مع اختلال في الجاذبية. أصبحت طوكيو مدينة غير صالحة للعيش، تركها السكان وبقي فيها فقط علماء يحاولون دراسة الظاهرة، وأيتام فقدوا ذويهم في الكارثة، ويتنافسون بلعبة الباركور على الطعام.
أحد اللاعبين، كان هيبيكي، وهو فتى مصاب بنوع من التوحد البسيط، ويستطيع سماع أغنية غريبة ظاهرة من البرج الذي تنطلق منه الفقاعات وشبكات الجاذبية. وفي إحدى محاولاته للوصول إلى أعلى البرج، يسقط ليغرق، وتنقذه فتاة غريبة، بدت وكأنها فقاعة تحولت إلى فتاة، لا تستطيع الكلام، مثل حورية البحر.
الفتاة أوتا تتعلم شيئاً فشيئاً الحياة الآدمية، وتجذبها حكاية حورية البحر لكرستيان هانس أندرسن، بنسختها الأصلية ذات النهاية الحزينة، لتعلم أنها قصتها مع أميرها هيبيكي. مع ذلك، لا يوقفها هذا عن الانجذاب للحياة البشرية، وتصبح بسرعة لاعبة الباركور الأعلى مهارة، وتخرج هيبيكي من عزلته ولعبه الفردي، لينضم أخيراً إلى الجماعة.
يكتشف كل من هيبيكي وأوتا شخصياتهما الحقيقية، من خلال العلاقة القائمة بينهما، بأقل قدر ممكن من التواصل الكلامي. الشجاعة التي تطلبها استكشاف الآخر، تكشف الشخصية المخبأة لهيبيكي المنعزل.
مشاهدة فيلم مثل Bubble، تعني الاستمتاع بالبصريات إلى أقصى حد. مدينة يطفو حطامها مع فقاعات غريبة، وأولاد يقفزون بمهارة فوق الحطام والفقاعات.
الاهتمام الكبير بالحركة الدقيقة، تجبرنا على متابعتها بحماس. هذا ليس غريباً على مخرج Attack on Titan الذي تفوق على نفسه هذه المرة، بعمل رياضي ضمن عالم مختل الجاذبية. اختلال الجاذبية لم يسهّل الخيارات الحركية للعمل، ولم يكن حجة لتمرير حركات غير متسقة جيداً، على العكس تماماً، طُوّعت الحركة ضمن الفرضية بمهارة عالية، تجعلها إحدى أهم العناصر الناجحة في الفيلم. وبالتوازي مع مشاهد الحركة، الخلفيات يمكن وصفها بلوحات مستقلة بحد ذاتها، بتفاصيل دقيقة وألوان مبهرة، خففت الجانب المأساوي للحدث العام، لتترك المساحة الكئيبة للحكاية فقط.
دمج المخرج تيتسرو أراكي بين تقنيات مختلفة في Bubble، وهو CG و3D و2D، للحصول على خلفيات مثالية وحركة مثالية. مع خطورة استخدام تقنية CG، التي تسببت في فشل العديد من الأعمال نتيجة رفض جمهورها المعتاد على الرسوم المتحركة ثنائية الأبعاد، إلا أنها كانت هذه الخلطة الوسيلة الأمثل لتحقيق المتعة البصرية الكاملة، بساعات عمل أقل ومرونة أكبر.
على الرغم من الإبهار البصري في الحركة والخلفيات المليئة بالتفاصيل الحيوية، فالحكاية لم تكن موفقة كثيراً، فقد كان هناك بعض الثغرات التي لا يمكن تجاهلها، مثل هجوم الفقاعات هذا: ما الذي تسبب به؟ هل هو كارثة بيئية نتيجة لتفاعل ما؟ أم غزو واعٍ من مخلوقات نجهلها؟ وهنا لا نعرف طبيعة الفتاة الفقاعة: هل خُلقت من التفاعل؟ أم أن شعبها هو من غزا الأرض؟ حتى مع ظهور تلميح إلى وجود أخت لها، لكننا لا نحصل على إجابة واضحة. حتى عودة الحياة إلى طبيعتها، لم تكن مقنعة كثيراً.
أما المشكلة الأخرى؛ فهي دمج حورية البحر بالباركور. بالطبع، لا يوجد حدود للاقتباس، المشكلة ليست هنا، إنما في أن الشخصيات الرياضية الموجودة، لم تحصل على أي عمق، ووجود كثير منها لم يكن له داعٍ. كما أن لهذه الشخصيات طبيعة تصلح لأنمي رياضي شونين (فتيان مراهقين)، بينما شخصية الفتاة الفقاعة، شخصية أفلام أنمي كلاسيكية، تتخذ خياراً حراً وتعيش مغامرتها الخاصة تبعاً لهذا الخيار.
الفيلم هجين بالفعل، ولم يكتب من البداية بهذه الطريقة. كان المخرج أراكي قد قدم مقترحين مختلفين للمنتج: الأول صورة لحورية بحر تراقب مدينة تغرق، والثاني أولاد يلعبون الباركور في مشهد بائس ومهجور. المخرج اقترح دمج الاثنين معاً، وهذا ما حدث.
أفضل ما في الحكاية كان النهاية المفتوحة على عدّة احتمالات، بالاعتماد على حكاية أندرسن: نرى الفتاة التي عادت إلى كونها فقاعة قريبة من هيبيكي. الاحتمال الأول، هنا، هو أنها تحولت مثل حورية البحر، إلى نوع من الجنيات الحارسة كفرصة أخرى لها، بعد تحولها إلى زبد البحر من شدة الحزن، أما الاحتمال الثاني؛ فهو أن عودتها ممكنة، فعلى عكس حورية أندرسن، فازت أوتا بقلب الفتى.
مشكلة أخرى تخص الحكاية، هي أن الاقتباس عن حورية البحر الصغيرة وربطها بكارثة بيئية، لم يكن شيئاً غير مطروق من قبل. ربما لم يدرك أراكي أن اقتباس حورية البحر ضمن كارثة بيئية، سيضعه في مقارنة مع اقتباس أسطورة أفلام الأنمي، هاياو ميازاكي، للحكاية نفسها في فيلمه Ponyo. القصتان مختلفتان، إلا أن الكارثة البيئية تجمعمها بشكل واضح. وهذا سيدفع أي مشاهد للتساؤل: ما الذي قدمه أراكي في هذا الاقتباس بعد ميازاكي؟