عبّر صحافيون عن ترحيبهم باستجابة البرلمان المصري، لملاحظاتهم بشأن المادة الخامسة من مشروع قانون مواجهة الأوبئة والجوائح الصحية، والتي منعت أي عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية للصحافيين، بينما قوبل هذا التعديل باعتراضات حادة واتهامات بعدم الدستورية.
فقد أدخل البرلمان تعديلات على المادة الخامسة من مشروع قانون مواجهة الأوبئة والجوائح، بإضافة فقرة للمادة الأولى من مشروع القانون، عبارة من المادة 29 من قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 180 لسنة 2018، والتي تنص على "يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على عشرين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف أحد الإجراءات أو التدابير الصادرة من اللجنة أو القرارات الصادرة تنفيذًا لها وفقًا لأحكام هذا القانون، يعاقب بالعقوبة المقررة في الفقرة السابقة، كل من أذاع أو نشر أو روج عمدًا أخبارًا أو بيانات أو شائعات كاذبة أو مغرضة مرتبطة بالحالة الوبائية، وكان من شأن ذلك تكدير السلم العام بين المواطنين أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة". لتصبح المادة الخامسة من مشروع قانون مواجهة الأوبئة والجوائح الصحية، بعد التعديل: "مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على عشرين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف أيٍ من التدابير الواردة بقرار رئيس مجلس الوزراء الصادر وفقًا لنص المادة (1) من هذا القانون أو القرارات الصادرة من اللجنة تنفيذًا لهذا القرار، ويعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من حرض على مخالفة أيِ من التدابير الواردة بقرار رئيس مجلس الوزراء الصادر وفقًا لنص المادة (1) من هذا القانون أو القرارات الصادرة من اللجنة تنفيذًا لهذا القرار، كما يعاقب بالعقوبة المقررة في الفقرة السابقة، كل من أذاع أو نشر أو روج عمدًا أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة مرتبطة بالحالة الوبائية، وكان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين المواطنين أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة".
استجابة محدودة أثنى عليها بعضهم واعتبرها انتصارا للحريات الصحافية، بينما قابلها آخرون باعتراض مبني على أساس مطلق يتعلق بـ"رفض الحبس في قضايا النشر" بشكل عام، وليس للصحافيين فقط على وجه التحديد. الصحافيون المعارضون، يتمسكون بمخالفة هذه المواد لنص الدستور، الذي يمنع الحبس في قضايا النشر باعتباره حقا مكفولا للمجتمع لا للصحافيين فقط، ويتمسكون بمبدأ "الصحافي ليس على رأسه ريشة، إنما المعرفة حق للمجتمع، وحرية النشر حق للجميع".
وألغى الدستور المصري (2014) بشكل نهائي في مادته 71 الحبس الاحتياطي في قضايا النشر إلا في ثلاث حالات حصرًا وهي التمييز بين المواطنين، التحريض على العنف والطعن في أعراض الأفراد، إذ نصت المادة على "يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زمن الحرب أو التعبئة العامة. ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون".
ويؤكد الصحافيون الرافضون لاستثنائهم من الحبس في قانون مواجهة الأوبئة، أن المادة 71 من الدستور المصري، تشمل جميع المواطنين لا الصحافيين فقط. وتمسكوا بالحق المطلق في منع الحبس في قضايا النشر حماية للمجتمع، وليس منع حبس الصحافيين في قضايا النشر بمطلب فئوي، يتم الاستجابة له حينًا، وقد لا يستجاب له في حين آخر. بمعنى أن اعتبار استثناء الصحافيين فقط من الحبس في قضايا النشر، قد يكون بوابة لسحب هذا الحق لاحقًا.
نقابيون سابقون أكدوا أيضًا، أن مطالباتهم على مدار سنوات طويلة مضت، كانت تخص "إلغاء الحبس في قضايا النشر"، وليس "إلغاء حبس الصحافيين في قضايا النشر"، لأن الضمانة الفئوية مشمولة بعدم الدستورية، لأنها تقوم على مبدأ التمييز، وهي قضية ظلت الجماعة الصحافية تدافع عنها على مدى عقود.
الكاتب الصحافي، وعضو مجلس نقابة الصحافيين سابقًا، خالد البلشي، عبّر عن موقفه الصريح من هذا التعديل، وقال إن "التعديل الذي أقره البرلمان باستثناء الصحافيين من الحبس في قانون مواجهة الأوبئة رغم أنه يبدو انتصارًا للصحافة والصحافيين؛ لكنه في الحقيقة هزيمة للصحافة وحرية التعبير". وفسر البلشي موقفه بـ"حرمان أفراد المجتمع من ممارسة هذا الحق هو عدوان على حرية المواطنين وحرية الصحافة لأنه يغلق بابا من أبواب حرية التعبير والكتابة، ويحرم الصحافة من مصادرها وهو تعديل مخالف للدستور. فعدم الحبس في جرائم النشر المنصوص عليه في الدستور ليس حقًا فئويًا وليس ميزة يختص بها الصحافيون وحدهم، ولكنه حق للمجتمع كله، بل إن قصر الحق على فئة بعينها يضيف سببًا آخر لعدم الدستورية وهو عدم المساواة بين المواطنين المنصوص عليها في الدستور".
وأضاف البلشي "المعرفة حق للجميع وحرية التعبير حق للجميع، ولا بد أن يتساوى الجميع في الحصول عليه ليس لمهنة بعينها.. نحن عندما نطالب بمنع الحبس في قضايا النشر نطالب به لكل من يكتب وينشر. وقصره على فئات بعينها هو بداية إلغاء هذا الحق، وهذا هو المنهج الذي لطالما دافعنا به عن حقوقنا؛ ولذلك فإن المطلب لا بد أن يكون إلغاء الحبس في هذه المادة تمامًا تنفيذًا للنص الدستوري، والنص الدستوري للجميع وعدم الحبس هي ميزة للمجتمع ككل، فحرية التعبير ليست قرينة بفئة دون أخرى، وعقوبة الخبر الكاذب في كل حالاته، أيا كان مصدره، هي تكذيبه وليس الحبس، والهدف الرئيسي الذي يجب أن ندافع عنه جميعًا هو حرية تداول المعلومات وليس قصرها على مواطن دون آخر. ولا بد أن ندافع عنه للجميع فالاستسلام لهذا الانتقاء هو سحب للحق سيدفع ثمنه الجميع ويحرم الصحافة من المناخ اللازم لعملها". ودعا الكاتب الصحافي إلى "تعديل هذه الطريقة المخلة غير الدستورية بحيث يشمل الجميع"، وهي الدعوة التي لاقت ترحيبًا من عدد من الصحافيين والحقوقيين والنشطاء المدافعين عن الحريات بشكل عام.