نهاية الشهر الماضي، أصدرت كريستينا أغيليرا ألبوماً جديداً عنونته باسمها، "أغيليرا"، وهو الإصدار التاسع في مسيرة المغنية الأميركية ذات الأصول اللاتينية. أدّت أغيليرا هذا العمل باللغة الإسبانية، رغبةً منها بالعودة، عبر رحلتها الموسيقية، إلى جذورها، كما ورد في التصريحات.
يتكون الألبوم من جزأين؛ عنوان الأول La Fuerza، (تعني "القوة")، ويضم ست أغان، الثاني La Tormenta (تعني "العاصفة")، يضم خمس أغان بدوره؛ لتكون الحصيلة 11 أغنية جديدة، مختلفة عن كل ما قدمته أغيليرا في رحلتها، باللغة الإسبانية على أقل تقدير.
لا يمكن التشكيك بأهمية اسم كريستينا أغيليرا في قطاع الموسيقى التجارية في الألفية الثالثة، لكن يمكن إثارة النقاش حول المكانة الحقيقية والحدود التي وقفت عندها. النجاح في موسيقى البوب يُقاس بالعديد من المؤشرات، من بينها الأثر الذي يتركه الفنان على المدى البعيد، وقد يؤثر على تطوير الذائقة الموسيقية الشعبية العامة.
في هذا الأمر تحديداً، نجد أن أغيليرا متخلفة في السباق عن معظم الأسماء الأخرى التي لمعت في الموسيقى التجارية خلال الفترة ذاتها؛ فهي لم تبتكر أسلوباً مختلفاً بالأداء كما فعلت بريتني سبيرز، ولم تساهم بتعميق أثر الموسيقى اللاتينية في البوب، كما فعلت شاكيرا أو جينيفر لوبيز، ولم تتمكن من تعديل بوصلة الموسيقى الشعبية، كما فعلت ريانا من خلال تجربتها بموسيقى الآر آند بي، التي كان لها أثر على نجمات البوب في العقد الثاني من الألفية الثالثة، ولا سيما على تجربة أريانا غراندي.
لعل أبرز مساهمات كريستينا أغيليرا في الموسيقى الشعبية كانت تحولها المفاجئ نحو موسيقى الـ"باور هاوس بوب" في عام 2007، وتقديم أغنية مختلفة تماماً، مثل Hurt، التي بدت نموذجاً مغايراً عن الأغاني التجارية التي كانت دارجة في تلك الفترة. ولكن الأثر كان محدوداً ويقتصر على أغنية واحدة لا تشكل ثورة على النمط الموسيقي الذي تنتمي إليه، بل على العكس، كانت تمثل ارتداداً زمنياً في الموسيقى التجارية.
اليوم، وبعد مضي 23 سنة على بداية مسيرتها، تعود كريستينا أغيليرا إلى نقطة البداية، لتطرح عملاً يحمل اسمها، تماماً كما فعلت في عام 1999، لتكشف هذه المرة عن جوانب من شخصيتها، التي تظن أنها غامضة ويجهلها الجمهور، ولتبدو بذلك أنها تقع في مطب الصورة المفخمة التي يوحي بها اسمها في عالم موسيقى البوب. فقبل 23 سنة كانت أغيليرا المراهقة قادرة على لفت الأنظار بأغنية عن الجني الأزرق المحبوس داخل زجاجة، وبقية الأغاني التي كانت تختزل حينها شخصيتها الموسيقية.
أما اليوم، فإن إعادة استحضار صورة الجني العالق في الزجاجة، بعد التخلي عن الصورة الشعرية والاكتفاء بتوصيف الأثر، بجزئي "القوة" و"العاصفة"، لا يبدو أمراً مثيراً البتة، بل يمكن قراءته كإشارة إلى الفراغ الفني الذي علقت فيه أغيليرا ولا تزال تعيشه حتى اليوم. ولا يسعفها مطلقاً اللجوء إلى لغة مختلفة في سبيل البحث عن الجذور التي ظهرت فجأة، بل إن هذا التحول المفاجئ باللغة لم يبدُ سوى تأثر بالنجاحات التي حققتها تجارب مشابهة، منذ أن أثارت كاميلا كابيلو بأغنية "هافانا" هذه الموجة.
على الوجه النقيض، فإن الأمر المثير حقاً في الألبوم هو استخدام أغيليرا للموسيقى اللاتينية على هذا النحو، الذي تمتزج فيه مع أداء الـ"باور هاوس بوب"، ليكشف عن المزيد من المساحات الجمالية التي قد تولدها الموسيقى اللاتينية، حين اندمجت بأداء أغيليرا المتقن والثابت. أداء لم تتراجع جودته يوماً، وبقي العنصر الوحيد المثير للاهتمام بكل ما تنتجه أغيليرا، منذ أن انخفض منسوب الإبداع عندها في العقد الثاني من الألفية الجديدة.