- "كناري ميشن" اتهم أكثر من 250 طالبًا وأكاديميًا بدعم الإرهاب أو نشر معاداة السامية بعد الحرب على غزة، مخفيًا هويات مديريه ومصادر تمويله.
- المستهدفون يجدون صعوبة في الدفاع القانوني بسبب حماية حرية التعبير، لكن تحقيقات كشفت عن صلات مالية بين الموقع ومؤسسة إسرائيلية، مما يثير تساؤلات حول تأثير هذه الحملات على الحريات الأكاديمية والشخصية.
بعد أسابيع من مشاركتها في احتجاج مؤيد لفلسطين، تلقت الطالبة الأميركية من أصل مصري ليلى سيد رسالة نصية من صديقة تلفت انتباهها إلى موقع إلكتروني يعرض بيانات الأشخاص الذين يقول إنهم يشجعون على كراهية اليهود وإسرائيل. وكتبت صديقة ليلى إليها في رسالتها الهاتفية تقول "أعتقد أنهم عثروا عليك في أثناء الاحتجاج". وعندما زارت ليلى الموقع الذي يحمل اسم "كناري ميشن"، وجدت صورة لها في احتجاج شاركت فيه في 16 أكتوبر/ تشرين الأول بجامعة بنسلفانيا مع أسهم حمراء تشير إليها بين المحتجين. وتضمن المنشور اسمها والمدينتين اللتين تعيش فيهما وتفاصيل عن دراستها وروابط حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
ونشر موقع "كناري ميشن" في وقت لاحق صورة لليلى على حسابيه على منصتي "إكس" و"إنستغرام" تحت عنوان "مدافعة عن جرائم الحرب التي ارتكبتها حماس"، في إشارة إلى عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها بالاشتراك مع فصائل المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي رداً على جرائم الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته المتواصلة من 76 عاماً. وتدفقت التعليقات على المنشور من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
وكتب أحد الأشخاص على منصة "إكس": "لا يوجد مستقبل لهذه القذرة". وكتب آخر: "مرشحة للترحيل إلى غزة". تدعم ليلى القضايا الفلسطينية منذ مدة طويلة، بيد أنها قالت إنها كانت المرة الأولى التي تشارك فيها في احتجاج مؤيد لفلسطين في جامعة بنسلفانيا، ولم يشر الموقع إلى أي أنشطة أخرى لها. وقالت ليلى (20 عاماً) لـ"رويترز": "رد فعلي كان صدمة كبيرة للوهلة الأولى... لم أكن هناك لأقول إنني أؤيد حماس. ولم أكن هناك لأقول إنني أكره إسرائيل. كنت هناك لأقول إن ما يحدث في فلسطين خطأ". وأضافت أنها لم تدرك في ذلك الوقت أن الهتاف الذي عرضه موقع "كناري ميشن" وتضمن عبارة "عند احتلال الناس، تكون المقاومة مبررة" سيعتبره البعض تعبيرا عن دعم العمليات التي نفذتها حماس. وقالت إنها رددت الهتافات لإظهار الدعم للاحتجاجات.
طريقة عمل "كناري ميشن"
موقع "كناري ميشن" هو واحد من أقدم وأبرز مجموعات الدعم الرقمية التي كثفت حملاتها للكشف عن الأشخاص الذين ينتقدون إسرائيل منذ اندلاع الحرب على غزة، وهو ما يؤدي غالبا إلى تعرض هؤلاء الأشخاص لمضايقات على غرار ما تعرضت له ليلى. ويُخفي الأشخاص المسؤولون عن إدارة الموقع هوياتهم ومواقعهم ومصادر تمويلهم. واستعرضت "رويترز" بعض الرسائل المسيئة والهجمات الموجهة عبر الإنترنت إلى عشرات الأشخاص الذين استهدفهم الموقع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
واتهم الموقع أكثر من 250 طالباً وأكاديمياً أميركياً بدعم الإرهاب أو نشر معاداة السامية والكراهية لإسرائيل منذ بداية الحرب على غزة، وفقا لاستعراض "رويترز" لما هو منشور على الموقع. ومن بين المستهدفين أعضاء بارزون في جماعات حقوقية فلسطينية وأشخاص محتجزون بتهم مثل تعطيل حركة المرور والهجوم على طالب يهودي باللكم. وقال آخرون، مثل ليلى، إنهم بدأوا للتو الاشتراك في الأنشطة داخل الحُرم الجامعية ولم توجه إليهم أي اتهامات بارتكاب أي جرائم. وتحدثت "رويترز" إلى 17 طالباً وطالبة بالإضافة إلى باحث واحد من ست جامعات أميركية أشار الموقع إليهم منذ "طوفان الأقصى".
ومن بينهم طلاب رددوا شعارات خلال الاحتجاجات وقادة جماعات أيدت تصريحات تقول إن إسرائيل تتحمل وحدها المسؤولية عن العنف وأشخاص قالوا في منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي إن المقاومة المسلحة للفلسطينيين مبررة. وقال جميعهم، باستثناء واحد، إنهم تلقوا رسائل كراهية أو شاهدوا تعليقات لاذعة منشورة عنهم عبر الإنترنت. ودعت الرسائل التي اطلعت عليها "رويترز" إلى ترحيلهم أو طردهم من الجامعة، وبعضها دعا إلى اغتصابهم أو قتلهم.
ويقول محامون وجماعات دعم إنه بالنسبة للمستهدفين، هناك خيارات قليلة لجبر هذا الضرر. وقال ثلاثة محامين لـ"رويترز" إن معظم ما ينشره موقع "كناري ميشن" محمي بموجب التعديل الأول للدستور الأميركي الذي ينص على حرية التعبير. وقال يوجين فولوخ، أستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، إن القانون لا يجرم بوجه عام نشر معلومات عن شخص ما دون موافقته عندما تكون المعلومات صحيحة ويٌحصل عليها بشكل قانوني من المجال العام.
وذكر ديلان سابا، المحامي في منظمة فلسطين القانونية التي تمثل الناشطين المؤيدين للفلسطينيين، أن المعيار القانوني للتشهير كبير، إذ يقع على عاتق المدعين عبء إثبات أن الموقع أدلى ببيانات كاذبة عنهم. ولم يتذكر سابا سوى عدد قليل من الحالات التي نجح فيها الطلاب في إجبار موقع "كناري ميشن" على إزالة ملفاتهم الشخصية أو تغيير البيانات الواردة فيها من خلال التهديد برفع دعاوى تشهير. ويشكل الغموض الذي يكتنف المسؤولين عن إدارة الموقع عقبة إضافية.
وقال سابا: "إذا كنت تريد مقاضاة شخص ما، فعليك أن تعرف المكان الذي سترفع فيه الدعوى". ويقول "كناري ميشن" إنه سيزيل الملفات الشخصية للأشخاص الذين "يعترفون بأخطائهم السابقة" ويرفضون ما يصفه بأنه "معاداة كامنة للسامية" ضمن الجماعات التي تدعو لمقاطعة إسرائيل بسبب سياساتها في الأراضي الفلسطينية. وينشر الموقع ما يقول إنها اعتذارات لأفراد على إحدى الصفحات لكنه لا يحدد هوياتهم. وذكر الموقع لـ"رويترز" أنه أنشئ في عام 2015 لمواجهة معاداة السامية المتزايدة في الأحرام الجامعية. ولم يجب عن أسئلة عن قيادته ومصادر تمويله.
صلات بمنظمة إسرائيلية
كشف الإقرار الضريبي لعام 2016 الذي قدمته مؤسسة عائلة هيلين ديلر، وهي منظمة خيرية يهودية أميركية بارزة، عن وجود صلة مالية بين "كناري ميشن" ومؤسسة إسرائيلية غير ربحية اسمها "ميغاموت شالوم". في ذلك العام، منحت مؤسسة ديلر مبلغ 100 ألف دولار للصندوق المركزي لإسرائيل خصصته تحت بند "كناري ميشن لميغاموت شالوم"، وفقا للوثيقة التي نشرها لأول مرة منفذ الأخبار اليهودي الأميركي ذا فوروارد واطلعت عليها "رويترز".
الصندوق المركزي هو مجموعة مقرها الولايات المتحدة تعمل قناةً للأميركيين لتقديم تبرعات معفاة من الضرائب للجمعيات الخيرية الإسرائيلية. وقال رئيس الصندوق جاي ماركوس لـ"رويترز" إن منظمته تدعم فقط الجمعيات الخيرية المسجلة، لكنه لم يؤكد ما إذا كانت "ميغاموت شالوم" أو "كناري ميشن" من بينها، وعزا ذلك إلى خصوصية معلومات المتبرعين والمتلقين. ورغم عدة محاولات، لم تتمكن "رويترز" من الوصول إلى ممثل لمؤسسة ديلر.
وأحالت الجهة التي تشرف على تبرعات مؤسسة ديلر، وهي اتحاد الجالية اليهودية وصندوق الوقف في سان فرانسيسكو، "رويترز" إلى بيان صدر عام 2018 يؤكد أن التبرع كان لدعم عمل "كناري ميشن"، وقالت إن المؤسستين لن تقدما مزيدا من التمويل للموقع. وذكر البيان أن الاتحاد خلص إلى أن الصندوق المركزي لم يلتزم بإرشادات التبرع، لكنه لم يستجب لطلبات حول مزيد من التوضيح. ولم يرد الموقع على الأسئلة المتعلقة بـ"ميغاموت شالوم" أو علاقتها بـ"كناري ميشن".
"هدف على ظهري"
استهدفت "كناري ميشن" ما لا يقل عن 30 طالباً وأكاديمياً في جامعة بنسلفانيا منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. والجامعة واحدة من عدة جامعات مرموقة تأتي في صلب الاحتجاجات الرافضة حربَ غزة. واستقالت رئيستها السابقة ليز ماجيل في ديسمبر/ كانون الأول الماضي بعد تعرضها لانتقادات بسبب تعاملها مع اتهامات بمعاداة السامية في الجامعة. فككت الشرطة، الجمعة، مخيماً غير مرخص داعما لغزة في الحديقة الرئيسية للجامعة واعتقلت نحو 33 شخصاً بعد اتهامات للمتظاهرين بمضايقات وتهديدات وتشويه معالم الحرم الجامعي.
وبعد العثور على ملفها الشخصي على موقع "كناري ميشن"، استشارت ليلى مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)، وهي منظمة حريات مدنية. وقال أحمد تيكيلي أوغلو، المدير التنفيذي لفرع كير في فيلادلفيا، إن المنظمة عرضت عليها المساعدة لحذف المعلومات من الإنترنت، لكنه أوضح لها أنه سيكون من الصعب اتخاذ إجراء قانوني ضد مؤسسة غير مسجلة في الولايات المتحدة. وأخبر تيكيلي أوغلو "رويترز" بأنه على الرغم من "التشويه السلبي الصارخ"، تعد التعليقات على "كناري ميشن" بمثابة اقتباسات أو آراء ولا يمكن أن تكون دليلا على اتهامات التشهير.
وقالت ليلى إنها اضطرت لخلع الكوفية الفلسطينية التي كانت تربطها بحقيبة ظهرها خوفا على سلامتها إذ شعرت وكأنها "هدف على ظهري". وتجنبت السير بمفردها في الحرم الجامعي وأخفت ملفها الشخصي على "لينكد إن" حتى لا يظهر في نتائج البحث. كما نشرت "كناري ميشن" معلومات عن سبعة من طلاب كلية الطب بجامعة جورج تاون بعد أن ظهروا في مقال بتاريخ 21 ديسمبر/ كانون الأول، نشره موقع "واشنطن فري بيكون" الإخباري المحافظ تحت عنوان "في كلية طب جورج تاون، أطباء الغد لا يخفون دعمهم الإرهاب".
وقالت إحداهن واسمها يسرا رفيقي (22 عاماً) إن المواقع نشرت لقطة شاشة لمنشور قالت إنها شاركته بشكل خاص مع متابعيها على "إنستغرام" يظهر رجلا فوق دبابة إسرائيلية يلوح بالعلم الفلسطيني يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. ورافق الصورة تعليق يقول "لا مزيد من إدانة المقاومة الفلسطينية. التغيير الجذري يتطلب تحركات جذرية". وكتب أحدهم على "إكس" تعليقاً على منشور لـ"كناري ميشن" ذكر فيه جامعتها وعيادة تتطوع بالعمل فيها "اطردوها فوراً" في إشارة إلى يسرا.
وقالت يسرا لـ"رويترز" إنها أعادت نشر الصورة لدعم المقاومة ضد ما وصفتها بقوات الاحتلال الوحشية الإسرائيلية، وأشارت إلى أنها لم تعلق على قتل حماس إسرائيليين. وأحال ممثل لجامعة جورج تاون "رويترز" إلى بيان أصدره إدوارد هيلتون، العميد التنفيذي لكلية الطب، ووصف فيه تسريب المعلومات الخاصة للطلاب والتقارير عن الانتقام من أولئك الذين يُعتقد أنهم مسؤولون عن ذلك بأنه "غير مقبول". وقال هيلتون إن الجامعة تندد بمعاداة السامية وكراهية المسلمين، وتشجع الطلاب على الإبلاغ عن التهديدات المحتملة. وعبرت يسرا عن "قلقها الشديد" حيال كيفية تأثير ذلك على قدرتها على ممارسة مهنة الطب ومواصلة الدفاع عن الفلسطينيين. وذكرت الطالبة وهي ابنة مهاجرين من باكستان: "لم أعد أشعر بالأمان في هذا البلد الذي كنت أعتبره وطني ذات يوم".
(رويترز، العربي الجديد)