في 20 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أصدرت قناة "تي في 5 موند" TV5 Monde الفرنسية، بياناً انتقدت فيه مذيع برنامج 64’ Le Monde en Français محمد قاسي. هذا الانتقاد جاء بعد خمسة أيام من مقابلة أجراها قاسي مع المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي باللغة الفرنسية أوليفييه رافوفيتش، وتطرّق فيها إلى اقتحام الاحتلال للمستشفيات في غزة.
بيان القناة الذي وقّعته إدارة الأخبار ممثلة في أربعة مديرين تنفيذيين، انتقد المقابلة التي أجراها المذيع محمد قاسي "حيث لم يتم احترام القواعد الصحافية المطبقة على أي مقابلة. وقد أدى ذلك إلى إعطاء انطباع، في السؤال الأخير، بأن أساليب عمل الجيش الإسرائيلي تعادل استراتيجيات حركة حماس، وهي منظمة تعتبرها العديد من الدول إرهابية. علاوة على ذلك، لم تنته المقابلة وفقًا لمعايير التحكم في الهواء، بل انتهت بشكل مفاجئ جدًا، وهو ما يأسف له قسم الأخبار في TV5 Monde بشدة. (...) وسنتخذ جميع التدابير اللازمة لضمان استمرار تغطيتنا المتوازنة في سياق التوتر الكبير".
مرّ قرابة شهر على المقابلة والبيان الذي تلاها، لكن الأجواء داخل الشبكة الفرنكفونية الكبيرة لا تزال متوترة، بحسب ما نقل موقع Arrêt sur images الفرنسي، مطلع هذا الأسبوع. ففي حديث للموقع مع صحافيين في الشبكة، قال أحدهم: "ما زلنا لا نفهم ما هو الخطأ الذي ارتكبه زميلنا. طرح محمد قاسي على المتحدث باسم الجيش، أسئلة عن الأساليب التي يتبعها الجيش الإسرائيلي، مكرراً تصريحات العقيد (رافوفيتش)... بينما البيان الصحافي الصادر عن إدارة الأخبار هو مجرد محاكمة النوايا".
وقال صحافي آخر من فريق التحرير: "مع هذا البيان الصحافي، تُرك محمد قاسي وحيداً أمام انتقام شبكات التواصل الاجتماعي، بينما يفترض على إدارتنا أن تحمينا من كل الضغوط. لم نشهد ذلك من قبل".
صحافي ثالث رأى أن ما حصل "صادم"، وعلّق: "هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها الإدارة وتنتقد علناً أحد صحافيينا بالاسم. إن هذه العملية مهينة للغاية وستترك بصماتها. هذه سابقة خطيرة للغاية".
وفي تضامن تام مع محمد قاسي في وجه الانتقاد الذي وجهته له القناة، والحملات الصهيونية التي طاولته على مواقع التواصل الاجتماعي، أصدرت نقابتان صحافيتان فرنسيتان، هما CFDT وSNJ، بيانين لتقديم "الدعم الكامل والأقوى لمحمد قاسي".
Esprit critique, véracité, exactitude : notre confrère Mohamed Kaci n'a fait que son travail. La section @SNJ_national de @TV5MONDE dénonce le désaveu de la direction et appelle à la retenue et l'apaisement suite aux attaques qu'il a subies sur les réseaux sociaux
— SNJ - premier syndicat de journalistes (@SNJ_national) November 21, 2023
COMMUNIQUÉ ⬇️ pic.twitter.com/pLRLmLST2l
هذا التوتر في مكاتب القناة في باريس تُرجم في اجتماع عقد في مقر TV5 Monde بناءً على طلب نحو 150 موظفاً، في 27 نوفمبر الماضي. استمر الاجتماع أكثر من ساعة ونصف، حيث واجه 50 موظفاً غاضباً كانوا حاضرين في المقر، و30 عن بعد (أغلبهم من المراسلين الأجانب)، إدارة الأخبار، والمديرين الأربعة الذين أصدروا البيان، واتهموهم بالخضوع السريع للضغوط.
قال أحد الصحافيين الذين كانوا حاضرين لموقع Arrêt sur Images: "أخبرتنا (مديرة الأخبار) فرانسواز جولي و(نائبها) أنطوان جانتون أنهما تلقيا مكالمات هاتفية من زعماء سياسيين طالبوهما بإقالة محمد قاسي".
من حاول الضغط على قناة TV5 Monde؟ رفضت إدارة القناة ذكر أي أسماء للموظفين الحاضرين في الاجتماع باستثناء واحد. وقال أحد المشاركين: "أكد (المدير التنفيذي) إيف بيغو أنه تلقى مكالمة هاتفية من مقدم البرامج أرتور (يهودي مغربي ومناصر للصهيونية) يحذره فيها من توخي الحذر لأنه ستكون هناك شكاوى ضد القناة من فرنسا وإسرائيل".
تصاعد النقاش خلال الاجتماع، واتهم الموظفون الإدارة بخسارة الاستقلالية التي اشتهرت بها القناة منذ إطلاقها، فيما أصرت الإدارة على أنها أصدرت البيان لحماية قاسي، من أي دعاوى قضائية أو طلبات مقبلة لإقالته.
وكان الإعلامي الفرنسي محمد قاسي قد تعرّض لحملة إسرائيلية عام 2021 خلال العدوان على غزة، بعد إجرائه مقابلة مع سفير دولة الاحتلال في فرنسا دانيال سعادة. إذ غداة المقابلة أصدر المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا بياناً قال فيه إنه سيتقدم بشكوى ضد قاسي بسبب "شنّه هجوماً شائناً ومخزياً ضد دولة إسرائيل وقادتها أثناء دفاعه عن حماس، وهي جماعة تعترف بها فرنسا والمجتمع الدولي على أنها إرهابية".