منذ بداية تفشي وباء كورونا حول العالم العام الماضي، ومع ما فرضه من إجراءات إغلاق وحجر لمنع انتشاره ومحاولة السيطرة عليه ومعالجته، ظهرت تأثيراته على كلّ الميادين، فوراً، من السياسة وحقوق الإنسان، وصولاً إلى الفنّ والصحافة. صحف عدّة أجبرت على الإغلاق، وأخرى تصارع بسبب الأزمات المالية التي فاقمها تفشي الفيروس.
مع اتّجاه الصحافيين في مختلف المؤسسات إلى تغطية الوباء وما نجم عنه من خسارات بشريّة وماليّة وغيرها، تأثّرت أيضاً المواضيع التي كان الإعلاميّون يعملون عليها، وبينها الصحافة الميدانيّة، كما الصحافة الإنسانيّة. وبسبب العمل عن بعد، وإجراءات التباعد الجسدي، وغيرها، تغيّرت صناعة الصحافة بشكل كبير خلال الوباء، حول العالم، وهو ما جعل العمل على التقارير الميدانية صعباً، وبحدّه الأدنى، خطراً على سلامة الصحافيين. وبشكلٍ خاص، تضررت الصحافة الإنسانية، حسب ما يؤكد موقع "جورناليزم" البريطاني في تقرير نشره أخيراً.
والصحافة الإنسانية هي مجال يركز على القصص المتعلقة بالأزمات الإنسانية، خصوصاً المتعلّقة بالفقر والحروب وحقوق الإنسان والمساواة، كما سياسات المساعدات والمنظمات غير الحكومية وعمل الأمم المتحدة. ولم يقتصر الأمر على إعاقتها بسبب قيود السفر وتدابير السلامة المصممة لوقف انتشار الفيروس، ولكن كذلك بسبب التكلفة وصعوبة تمويلها من خلال الإعلانات والاشتراكات التي انخفضت خلال العام الماضي، ما فاقم الأزمة التي كانت تعاني منها وسائل الإعلام أصلاً. علاوةً على ذلك، كانت الأجندة الإخبارية مدفوعة بالتأثير الصحي والاجتماعي والاقتصادي للوباء، لدرجة أن القصص الإنسانية تبدو وكأنّها قد سقطت وسط الزحام.
يغرق القطاع والجمهور في الأخبار السلبية حول كورونا وتأثيراته
للالتفاف حول حظر السفر، عملت غرف الأخبار الدولية بشكل متزايد مع المراسلين المحليين. سمح ذلك للمنظمات الإعلامية بالوصول المباشر إلى المجتمعات التي تعرضت لأزمات مختلفة والحفاظ على استمرار القصص. ونقل موقع "جورناليزم" البريطاني عن المحررة التنفيذية في The New Humanitarian، جوزفين شميدت، أن التعاون مع الصحافيين المحليين يُنتج تغطية أكثر شمولاً من حيث تنوع الأصوات. وبحسب شميدت، حتى عندما بات الصحافيون قادرين على الكتابة من الأرض، كان لا يزال من الصعب بناء الثقة وإجراء محادثة حقيقية مع المصدر مع الحفاظ على التباعد الاجتماعي أو تغطية الوجه.
وباعتباره أزمة إنسانية بحد ذاتها، فإن الوباء يوسع نطاق التقارير الإنسانية، لكنه يعني أيضاً أن مجالات أخرى، مثل الصراعات والمجاعات والكوارث الطبيعية، احتلت مرتبة أقل. وفقاً للمحاضر البارز في الإعلام والتنمية الدولية بجامعة إيست أنجليا، مارتن سكوت، فإنّه حتى عندما تمت تغطية هذه المواضيع، تم ربطها بكورونا. كما كان من الصعب على الصحافيين التنافس على جذب انتباه القراء بقصص أخرى، لأن الجماهير كانت بالفعل غارقة في الأخبار السلبية حول الفيروس.
والتحدي الآخر هو الحفاظ على المصلحة العامة في الأزمات طويلة الأمد التي لا تتخللها دائماً أحداث مذهلة، وفقاً لمنسقة العمليات في منظمة الإغاثة في حالات الكوارث Shelter Box ومراسلة "بي بي سي" السابقة، راشيل هارفي، والتي تقول: "يميل الصحافيون إلى قياس الأزمات من حيث عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم"، لكن "قد لا يقتل الفيضان الكبير الكثير من الناس، لكنه قد يقضي على المحاصيل والماشية والمنازل ويمكن أن يكون لذلك تأثير مدمر على المجتمعات المتضررة. نحن بحاجة إلى إيجاد طرق لضمان أن الأزمات طويلة الأمد أو تلك التي لا تؤدي بالضرورة إلى وقوع إصابات جماعية لا تزال تُغطّى ولا تُنسى".
على الجانب الآخر، عرّضت الحملة الممنهجة ضد الحريات الصحافية بسبب تغطية الوباء العديد من الصحافيين المحليين للخطر. فمن الصين التي تسجن عدداً من الإعلاميين بسبب تغطيتهم لفيروس كورونا في ووهان، إلى الصحافي الفنزويلي دارفينسون روخاس الذي احتجز لمدة 12 يوماً بسبب تغطيته الوباء، كانت محاولات ترهيب وسائل الإعلام في ازدياد.
وأحصت "مراسلون بلا حدود"، في تقريرها السنوي الذي صدر في ديسمبر/كانون الأول الماضي، 50 حالة من الصحافيين الذين قتلوا بسبب عملهم في الفترة من 1 يناير/كانون الثاني إلى 15 ديسمبر/كانون الأول 2020. إذ بقي هذا العدد "مستقراً"، إذ إنّه مشابه لعام 2019 (عندما قُتل 53 صحافيًا)، على الرغم من وجود عدد أقل من الصحافيين في الميدان هذا العام بسبب جائحة كوفيد-19.