من الممكن أن يسهم تكوين علاقات صداقة حقيقية وقوية في تجاوز التأثيرات السلبية للتجارب المؤلمة في حياة الأطفال عند البلوغ، مثل وجود والد مدمن على الكحول، أو النشأة في منزل مضطرب، وغيرها من المشكلات التي تهدد الصحة العقلية والنفسية.
أظهرت الأبحاث السابقة، أن الأشخاص الذين يتعرضون إلى الإساءة والإهمال في مرحلة الطفولة، هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والسكري، ومشاكل صحية أخرى في وقت لاحق من الحياة، حتى بعد انتهاء الأحداث المجهدة.
ويعتقد باحثون في الدراسة التي نشرت يوم 17 مايو/ أيار في مجلة Science Advances، أنّ إقامة علاقات اجتماعية قوية، يمكن أن تساعد في التخفيف من هذه الآثار، ليس فقط في البشر، ولكن أيضاً لدى قردة البابون. وفقاً للدراسة، تمكنت قرود البابون التي عاشت طفولة صعبة من استعادة عامين من متوسط العمر المتوقع من خلال تكوين صداقات قوية.
ووجد المؤلفون أنّ قرود البابون البرية التي تعاني من مصاعب متعددة خلال السنوات الأولى من حياتها، مثل الجفاف أو فقدان أمهاتها، تكبر لتعيش حياة البالغين بشكل أقصر بكثير من أقرانها الأوفر حظاً، إذ ينخفض متوسط العمر المتوقع لديها بنسبة تصل إلى عشر سنوات مقارنة بأقرانها.
بدورها، أوضحت المؤلفة الرئيسية للدراسة ولأستاذة المساعدة في العلوم البيولوجية في جامعة نيويورك، إليزابيث لانغ، أنّ النتائج مهمة لأنّها تظهر أن الصعوبات المبكرة في حياة قردة البابون يمكن أن تكون لها آثار سلبية طويلة المدى على البقاء حتى في حالة عدم وجود عوامل مماثلة لتلك التي تفسر أنماطاً مماثلة لدى البشر، مثل الاختلافات في التدخين أو شرب الكحول أو الحصول على الرعاية الطبية.
وقالت في حديث مع "العربي الجديد": "وجدنا أيضا أنّ العلاقات الاجتماعية القوية في مرحلة البلوغ يمكن أن تخفف بعض آثار البداية السيئة في الحياة. على وجه الخصوص، استطاعت الإناث التي فقدت أمهاتها في سن المراهقة، ولكنها كانت قادرة على تكوين روابط اجتماعية قوية كشخص بالغ، تعويض بعض آثار فقدان الأم على البقاء على قيد الحياة. تعد الأمهات مصدراً مهماً للموارد والمعرفة، لذا فإن تعويض خسارتها أمر مهم بشكل خاص".
وأضافت الباحثة أنّ النتائج التي توصلت لها الدراسة لها آثار على كل من صحة الإنسان وعلى صيانة التنوع البيولوجي ممثلاً في مجموعات البابون، إذ أشارت النتائج إلى أنه يمكن تنفيذ التدخلات لتحسين البقاء على قيد الحياة في وقت مبكر من الحياة (لتقليل الصعوبات) وفي وقت لاحق في الحياة (لتحسين العلاقات الاجتماعية). بشكل عام، تشير النتائج إلى أنّه إذا كانت بداية الأفراد سيئة، فمن المهم جداً تكوين صداقات وروابط اجتماعية قوية.
جمع المؤلفون بيانات عن دورة الحياة الكاملة (من الولادة حتى الموت) لـ199 من إناث قردة البابون البرية من النظام البيئي في محمية أمبوسيلي في كينيا. ضمّت المعلومات الخاصة بكل أنثى بيانات حول ما إذا كانت قد عانت من ستة مصادر لمحن الحياة المبكرة أم لا.
وهذه الصعوبات الست هي: الجفاف في السنة الأولى من الحياة، كبر حجم الأسرة أو القطيع عند الولادة، وانخفاض مكانة الأم في الأسرة، وضعف الترابط الاجتماعي مع الأم، وفقدان الأم في فترة الرضاعة، أو قصر المدة بين الولادة وولادة الأخ الأصغر اللاحق. بالإضافة إلى ذلك، حصل المؤلفون على قياسات للروابط الاجتماعية للإناث في مرحلة البلوغ ومدى تدني مستوى بقائها على قيد الحياة.
وشرحت لانغ: "تتيح لنا البيانات طويلة المدى الإجابة عن الأسئلة باستخدام بيانات دورة الحياة الكاملة للعديد من الأفراد، ممّا يجعلها نهجاً قوياً للغاية. كما توفر لنا النمذجة التي قمنا بها أيضا أن نسأل عن مدى تأثير محنة الحياة المبكرة على البقاء على قيد الحياة لأن محنة الحياة المبكرة تؤثر على الروابط الاجتماعية، والتي تؤثر بدورها على البقاء".