- باحثون وجدوا أن الإجهاد يغير الإشارات الكيميائية بين الخلايا العصبية، مما يسمح بتدخلات علاجية محددة لاضطرابات الخوف والتوتر.
- تجارب على الفئران أظهرت أن تثبيط جين ينتج GABA قبل تعرضها لضغط شديد يمنع تطور استجابة الخوف، مفتحة آفاقاً جديدة لتطوير تدخلات علاجية لمعالجة الخوف واضطرابات القلق.
الأنظمة العصبية مبرمجة بشكل طبيعي على الشعور بالخوف، سواء كان ذلك مدفوعاً بالأصوات المخيفة التي نسمعها بمفردنا في الظلام أو صوت حيوان مهدِّد يقترب، فإن استجابة الخوف هي الآلية التي تجبر الإنسان على البقاء في حالة تأهب وتجنب المواقف الخطيرة.
في دراسة جديدة نُشرت في 14 مارس/ آذار في مجلة سَينس Science، حدد علماء الأحياء العصبية التغيرات في الكيمياء الحيوية للدماغ، ورسموا خريطة للدوائر العصبية التي تسبب تجربة الخوف. تقدّم الدراسة رؤى جديدة لكيفية منع استجابات الخوف، والآليات التي يسببها التوتر التي تجعل الدماغ ينتج مشاعر الخوف في غياب التهديدات.
وفقاً للدراسة، غالباً ما تحدث اضطرابات القلق بسبب التجارب المؤلمة، وترتبط بالشعور المستمر بالخوف. في مواقف كثيرة، يشتمل الخوف على عدد من جوانب الحياة اليومية ويتجاوز سيناريو الصدمة الأولية. قد تتأثر الجودة العامة للحياة والصحة العقلية، نتيجة لرد فعل الخوف المنتشر على نطاق واسع.
آليات التوتر والخوف
لم يكن من الواضح في معظم الأوقات ما هي الآليات التي يسببها التوتر، التي تحفز الدماغ على خلق أحاسيس الرعب عندما لا تكون هناك تهديدات خارجية. الآن، نجح الباحثون المتخصصون في علم الأحياء العصبي في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، في تحديد التغيرات البيوكيميائية في الدماغ والدوائر العصبية المسؤولة عن هذا النوع من استجابة الخوف واسعة النطاق.
وقال المؤلف المشارك في الدراسة نيكولاس سبيتزر، الأستاذ في قسم العلوم البيولوجية في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، إنه من طريق فحص أدمغة الفئران، وتحديداً في منطقة الرفاء الظهري لجذع الدماغ، وجد الفريق البحثي أن الإجهاد الشديد يغير الإشارات الكيميائية بين الخلايا العصبية. كذلك لاحظ الباحثون تغيّراً في الناقلات العصبية، وتحديداً من الناقلات العصبية (الغلوتامات) المثيرة إلى الناقلات العصبية المثبطة GABA، وهي الناقلات التي ترتبط بها استجابات الخوف.
وأضاف سبيتزر لـ"العربي الجديد": "توفر نتائجنا رؤى مهمة حول الآليات المشاركة في تعميم الخوف. إن فهم هذه العمليات على هذا المستوى من التفاصيل الجزيئية – ما الذي يحدث وأين يحدث – يسمح بتدخل خاص بالآلية التي تسبب الاضطرابات ذات الصلة. ومن خلال التوسع في اكتشاف مفتاح الناقل العصبي الناجم عن الإجهاد، الذي يدل على نوع من مرونة الدماغ، فحصنا أدمغة الأشخاص الذين عانوا من اضطراب ما بعد الصدمة بعد الموت. وفي هذه الأدمغة، اكتشفنا تحولاً مشابهاً في الناقلات العصبية من الغلوتامات إلى GABA".
يسبب الخوف تغيرات ملحوظة في حسم الإنسان؛ إذ ينبض القلب بشكل أسرع أو يصبح التنفس أضعف. ومع ذلك، فإن الطريقة التي يعالج بها الدماغ هذه المعلومات بالضبط لتنظيم المشاعر مثل الخوف، لا تزال غير معروفة إلى حد كبير. لاستكشاف ذلك، عرضت دراسة سابقة مجموعة من الفئران لنغمة صوتية مثيرة للفزع من مصدر تنبيه معين. وراقب القائمون على الدراسة سلوك الفئران كلما صدر الصوت من المنبه، ومع اعتياد الفئران الصوت، لم يعد الخوف لدى الفئران مقترناً بهذا المنبه تدريجياً.
الفيروس المرتبط بالغدية
في الدراسة الجديدة، ابتكر الباحثون استراتيجية لوقف ظهور الفزع المعمَّم. إذ أُدخِل الفيروس المرتبط بالغدية (AAV) إلى الرفاء الظهري للفئران (وهي المنطقة المسؤولة عن الاستجابات العصبية) قبل تعريضها لضغط شديد لتثبيط الجين الذي ينتج GABA. ومن خلال هذا التدخل، منع الفئران من تطوير استجابة خوف عامة. علاوة على ذلك، فإن إعطاء الفئران مضاد الاكتئاب فلوكستين (بروزاك) على الفور بعد تعرضها لحادث مرهق، أدى إلى إيقاف انقلاب الناقل العصبي الذي كان سيؤدي لولا ذلك إلى تطور الخوف العام.
فضلاً عن ذلك، حدد الباحثون الخلايا العصبية الدقيقة في الرفاء الظهري التي تتحكم في مفتاح الإرسال، ورسموا اتصالاتها بمناطق الدماغ، بما في ذلك منطقة ما تحت المهاد الجانبي واللوزة الدماغية المركزية، التي رُبطَت بتفاعلات الخوف المختلفة في الماضي. وقال المؤلف المشارك في الدراسة: "الآن بعد أن أصبح لدينا علم بجوهر الآلية التي يحدث من خلالها الخوف الناجم عن التوتر والدوائر التي تنفذ هذا الخوف، يمكن أن تكون التدخلات العلاجية دقيقة ومحددة".