صادقت لجنة التعليم والثقافة والاتصال في مجلس النواب المغربي، اليوم الأربعاء، بالأغلبية على استحداث لجنة مؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر.
مشروع القانون أثار جدلاً واسعاً بين الصحافيين والمعارضين، إذ اعتبروه تراجعاً على مستوى الحريات وقرارا غير ديمقراطي "سيحرج المغرب أمام المنظمات الدولية".
وصوّت على مشروع القانون 15 نائباً من الأغلبية النيابية، مقابل رفض عضوين من المعارضة، وامتناع ثلاثة أعضاء. ورفض وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، أغلب التعديلات التي تقدمت بها المعارضة الاتحادية، بينما لم تتقدم الأغلبية وباقي المعارضة بتعديلات.
اختلاف بين فرق المعارضة والأغلبية
بينما تُنتظر خلال الأيام المقبلة برمجة المشروع في جلسة عمومية للمصادقة عليه قبل إحالته على مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، عكست تدخلات أعضاء لجنة التعليم، قبل بداية التصويت على مشروع القانون، الاختلاف بين فرق المعارضة والأغلبية.
وكانت لافتةً دعوة رئيس الفريق الحركي ومنسق المعارضة في مجلس النواب، إدريس السنتيسي، وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، إلى تأجيل الحسم في مشروع القانون إلى غاية إيجاد حل يضمن تمثيلية كل الجسم الصحافي ويكون هناك توافق.
وهو الموقف نفسه الذي عبر عنه البرلماني عن حزب التقدم والاشتراكية المعارض حسن أومريبط، لافتاً إلى أن فريقه النيابي "يرفض المشروع جملة وتفصيلاً منذ البداية، لأن جهات أخرى التي هي الحكومة تدخلت في هيئة من المفروض أنها مستقلة".
في المقابل، اعتبر عضو الفريق الاستقلالي (مشارك في الائتلاف الحكومي في المغرب)، العياشي الفرفار، أن الحكومة لديها مسؤولية تنظيم قطاع كبير، وكان لزاماً عليها التدخل، وأن تقوم بالإجراء الضروري.
في السياق نفسه، دافع البرلماني عن التجمع الوطني للأحرار (قائد الائتلاف الحكومي)، يوسف شيري، عن مشروع القانون الذي جاءت به الحكومة، معتبراً أن تدخلها "إيجابي" في ظل وجود فراغ قانوني.
لجنة مؤقتة لمدة عامين
ووفق مشروع القانون، ستشكل لجنة مؤقتة لتسيير المجلس الوطني للصحافة لمدة عامين، يترأسها الرئيس المنتهية ولايته يونس مجاهد، وتتكون عضويتها من نائب رئيس المجلس الوطني للصحافة المنتهية ولايته بصفته نائباً لرئيس اللجنة، ورئيس لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية، ورئيس لجنة بطاقة الصحافة المهنية، وثلاثة أعضاء يعينهم رئيس الحكومة "من بين الأشخاص المشهود لهم بالكفاءة والخبرة في مجال الصحافة"، وأيضاً قاضٍ ينتدبه الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وممثل عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وعاش المجلس منذ الرابع من إبريل/ نيسان الماضي، تاريخ انتهاء مدة تمديد انتداب أعضاء المجلس لستة أشهر التي أقرها مرسوم قانون صادقت عليه الحكومة في 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، حالة فراغ تنذر بفشل تجربة التنظيم الذاتي لقطاع الصحافة في المغرب.
وفي محاولة لتجاوز هذا الوضع، أقر المجلس الحكومي، المنعقد في 13 إبريل/ نيسان الماضي، مشروع قانون إحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر.
خطوة الحكومة تكشف حجم الخلاف
كشفت خطوة الحكومة عن حجم الخلاف، بعدما دعت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف والجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال التابعة للاتحاد المغربي للشغل (اتحاد عمالي) رئيس الحكومة عزيز أخنوش إلى تجميد المشروع، في حين أعلنت الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين والنقابة الوطنية للصحافة المغربية عن تأييدهما لإحداث اللجنة المؤقتة.
وكانت الحكومة المغربية قد أقرت في مرحلة أولى تمديد مدة انتداب أعضاء المجلس لستة أشهر، وذلك بهدف ضمان السير العادي في أداء المجلس للمهام المنوطة به بموجب مدونة الصحافة والنشر والنصوص المتخذة لتطبيقها، لا سيما ما يتعلق بمنح بطاقة الصحافة المهنية، بالإضافة إلى باقي المهام ذات الصلة بصيانة المبادئ، بما فيها التقيد بميثاق أخلاقيات المهنة والأنظمة المتعلقة بمزاولتها.
وبرّرت الحكومة قرار التمديد بالحرص على عدم بقاء المجلس في وضعية فراغ قانوني، إلا أن هذه الخطوة كشفت عن عدم تنصيص القانون المحدث للمجلس على مقتضيات احترازية تُفعَّل في حال عدم إجراء انتخاب أعضائه في أوانه. كما أظهر التمديد حدة الخلافات بين مكونات المجلس ممثلة في التنظيمات المهنية للصحافيين وتنظيمات الناشرين، وهي الخلافات التي تسببت في عدم تنظيم الانتخابات.
أسف وغضب وتشاؤم
عبّرت أصوات عدة من الوسط الصحافي والمعارضة عن أسفها وغضبها وتشاؤمها من اللجنة المؤقتة، معتبرةً القانون "إساءة للديمقراطية وتراجعاً في مسار نضال طويل".
وفي كلمته خلال طاولة مستديرة بعنوان "اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة... إساءة للديمقراطية وتراجع عن المكتسبات الحقوقية"، وصف الصحافي المغربي يونس مسكين قانون اللجنة المؤقتة بأنه "انقلاب تشريعي متكامل الأركان، يضرب مسار التفاوض والنضال والمخاض الذي مرّ منه قطاع الصحافة والإعلام" المغربي. وبحسب مسكين، "تسعى الحكومة إلى وضع اليد بشكل مباشر وكامل على قطاع الصحافة والنشر".
وخلال الطاولة المستديرة نفسها، اعتبر عضو المكتب التنفيذي للفيدرالية المغربية لناشري الصحف، محمد لغروس، أن مشروع قانون اللجنة "خالف كل توجيهات الملك محمد السادس، بل جاء بنقيض ما حملته الرسالة الملكية الموجهة لأسرة الإعلام بمناسبة المناظرة الوطنية سنة 2002".
ولفت لغروس إلى أن ما تواجهه الصحافة المغربية اليوم، "يعاكس توجهات الرسالة الملكية ويمس المكتسبات الديمقراطية وصورة المغرب الحقوقية أمام المنظمات العالمية والتقارير الدولية".
وأضاف أن "هناك شعوراً عاماً بوجود توجه لضرب مصداقية العمل الصحافي وما تبقّى من استقلاليته، وثمّة من يريد منا أن نكون أمام تعددية خادعة وأن نتنافس فقط في تلميع الأحذية، وهذا الكلام نقوله من موقع المسؤولية إبراءً للذمة أمام المجتمع والتاريخ".
من جانبه، وصف الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، المنظم للطاولة المستديرة، محمد بن عبد الله، ما يعيشه قطاع الصحافة المغربية بأنه "فضيحة تزيد من تساؤلاتنا حول المسار الديمقراطي في بلادنا". وأضاف: "من دون مبالغة حتى في أحلك اللحظات في المغرب لم تكن هناك محاولات من أجل مراقبة ما يجري في الساحة الإعلامية كما يُراد اليوم".
ما هو المجلس الوطني للصحافة؟
يُعتبر المجلس الوطني للصحافة الذي تشكل في 2018 هيئة يعهد إليها بالحرص على صيانة المبادئ التي يقوم عليها شرف المهنة، وعلى التقيد بميثاق أخلاقيات المهنة والقوانين والأنظمة المتعلقة بمزاولتها، والسهر بوجه خاص على ضمان وحماية حق المواطن في إعلام متعدد وحر وصادق ومسؤول ومهني.
ويتألف المجلس من 21 عضواً موزعين على النحو التالي: 7 أعضاء ينتخبهم الصحافيون المهنيون من بينهم مع مراعاة تمثيلية مختلف أصناف الصحافة والإعلام، و7 ينتخبهم ناشرو الصحف من بينهم، و7 أعضاء هم: ممثل عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وممثل عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وممثل عن المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وممثل عن جمعية هيئات المحامين في المغرب، وممثل عن اتحاد كتاب المغرب، وناشر سابق تعينه هيئة الناشرين الأكثر تمثيلية، وصحافي شرفي تعينه نقابة الصحافيين الأكثر تمثيلية.