في مقال نشرته مجلة ذا نيشن الأميركية الثلاثاء الماضي، تشرح الكاتبة والأستاذة في كلية العلاقات العامة والدولية في جامعة برينستون، راضية إقبال، أسباب فشل الإعلام الغربي في تغطية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. الصحافية الأوغندية عملت بين عامَي 2011 و2023 في هيئة الإذاعة البريطانية. تستفيض إقبال في شرح سيطرة الرواية الإسرائيلية منذ عقود على التغطية الإعلامية للقضية الفلسطينية، وانتظار أغلب المؤسسات الإعلامية في الولايات المتحدة التصريحات الإسرائيلية قبل نقل أي خبر من فلسطين خلال هذا العدوان على قطاع غزة، وخلال كل الحروب السابقة التي خاضها الاحتلال ضد سكّان القطاع. وبعيداً عن أهمية المقال وتحليله، ما يهمّنا هنا هو عبارة واحدة ذكرتها إقبال بشكل عَرَضي في النص: "في حالة إسرائيل وفلسطين"، ثمّ تكتب جملة اعتراضية بعد كلمة "فلسطين": "وهي كلمة غير مستخدمة في تغطية BBC".
هذه الجملة الاعتراضية تتوسع وتأخذ هامشاً أكبر وأكثر حضوراً عند رصد أداء الإعلام الغربي منذ عقود. فكلمة فلسطين فعلاً ممنوعة من الاستخدام. التفسير الأكثر "علمية" هو أن أغلب المؤسسات الإعلامية الأميركية تستعين بالدليل التحريري لوكالة أسوشييتد برس الأميركية. يحث هذا الدليل/المعجم "على عدم الإشارة إلى (فلسطين) لأنها ليست دولة موحدة ومستقلة تمامًا". فتفضل الوكالة استخدام عبارات "الضفة الغربية"، و"قطاع غزة" أو "الأراضي الفلسطينية" من دون الإشارة إلى كلمة فلسطين. وهو ما ينسحب على مؤسسات إعلامية كثيرة، تمنع صحافييها من ذكر اسم فلسطين، لما في ذلك من اعتراف بوجود كيان فلسطيني حقيقي، ووجود استعمار إسرائيلي متواصل منذ 75 عاماً. ويشجّع الدليل التحريري للوكالة على استخدام عبارات من نوع "العلم الفلسطيني" بدل "علم فلسطين"، و"رئيس الوزراء الفلسطيني" بدل "رئيس وزراء فلسطين".
في بريطانيا، يعتبر النموذج التحريري لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) هو الأساسي، وتعتمده قنوات وصحف ومواقع عدة. في عام 2005، كلفت الهيئة لجنة مستقلة للنظر في تغطيتها "للصراع الإسرائيلي الفلسطيني مع إيلاء اهتمام خاص للدقة والإنصاف والسياق والتوازن والتحيز". بعد انتهاء عمل اللجنة، كانت توصيتها الأساسية "نشر نسخة مختصرة من دليل الصحافيين للحقائق والمصطلحات"، وهو ما حصل منذ عام 2006 حتى اليوم. لذا عند البحث عن كلمة "فلسطين" في المعجم التحريري لـ"بي بي سي"، يحصل المحرر أو الصحافي على التالي: "لا توجد دولة فلسطين مستقلة اليوم، على الرغم من أن الهدف المعلن لعملية السلام هو إقامة دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل... وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2012، حصلت منظمة التحرير الفلسطينية على تصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما أدى إلى رفع وضعها السابق ككيان بحيث تعترف الأمم المتحدة الآن بالأراضي الفلسطينية باعتبارها دولة مراقبة...". لذا، في التغطية اليومية للشرق الأوسط، لا ينبغي لصق اسم فلسطين بغزة أو الضفة الغربية - بل إن ذلك لا يزال طموحًا أو كيانًا تاريخيًا....
في أستراليا، لنأخذ على سبيل المثال هيئة الإذاعة الوطنية أي ABC. عند البحث في لائحة المصطلحات التي تستخدمها، ومع إدخال كلمة "فلسطين" في خانة البحث، يحصل الصحافي على العبارة التالية: "لا تستخدم الكلمة. نقول الأراضي الفلسطينية. ونستخدم الفلسطيني كصفة".
وفي ألمانيا تتناسب سياسة دويتشه فيله، المؤسسة الإعلامية الدولية لجمهورية ألمانيا الاتحادية، مع السياسة العامة في ألمانيا، ومؤسساتها الإعلامية، التي أظهرت بشكل واضح انحيازها للاحتلال الإسرائيلي خلال العدوان الحالي. في مايو/ أيار 2021، تم تسريب مذكرة داخلية تحتوي على وثيقة بعنوان "إسرائيل والأراضي الفلسطينية – دليل إعداد التقارير من رئيس التحرير". وجاء في الوثيقة أن "ماضي ألمانيا في تنفيذ المحرقة يعني أن عليها مسؤولية خاصة تجاه إسرائيل... نحن كدويتشه فيله لا نشكك أبدًا في حق إسرائيل في الوجود كدولة أو نسمح للأشخاص الذين يظهرون في تغطيتنا بالقيام بذلك". أما عن كلمة فلسطين فتقول الشبكة: "تُستخدم فلسطين في سياق أنشطة فلسطين في الهيئات الدولية وأعمال السلطة الفلسطينية. بالنسبة للأراضي، نشير على وجه التحديد إلى الضفة الغربية أو غزة، أو الأراضي الفلسطينية في إشارة إلى كليهما".