بينما يربط العلماء بين طول عمر الكائنات الحية وضخامة أجسامها من جهة، وبين زيادة فرص نمو الأورام عندما تتسبب الطفرات الجينية في تكاثر الخلايا الفردية بسرعة كبيرة، وبالتالي المزيد من الفرص لظهور تلك الطفرات السرطانية، إلا أن الأفيال نادراً ما تصاب بالسرطان رغم أعمارها الطويلة وأجسامها الضخمة.
تتعمق دراسة جديدة في هذا اللغز الكبير، وتظهر أن الأفيال تمتلك نسخاً إضافية من مجموعة متنوعة من الجينات المرتبطة بكبح الأورام.
وطبقا للدراسة التي نشرت في 29 يناير/ كانون الثاني في مجلة eLife، فإن العلماء يقولون إن هذه الظاهرة ليست فريدة من نوعها بالنسبة للفيلة، فقد خلص البحث إلى أن تكرار الجينات المثبطة للأورام شائع جداً بين الأقارب الأحياء والمنقرضين للفيلة، بما في ذلك الأقارب الصغار، مثل شامات الرأس الذهبية (حيوان جُحري) و"زبابات الفيل" طويلة الأنف، وهي من الحيوانات الصغيرة الآكلة للحشرات وتعيش في أفريقيا.
كما تشير البيانات إلى أن قدرات كبح الورم سبقت أو تزامنت مع تطور الأجسام الكبيرة بشكل استثنائي، ما سهل هذا التطور، طبقا للدراسة التي أعدها علماء الأحياء في جامعتي بافالو وكاليفورنيا - بيركلي.
يقول فينسنت لينش، الأستاذ المساعد في قسم العلوم البيولوجية في جامعة كاليفورنيا - بيركلي، والباحث الرئيسي في الدراسة، إن إحدى الفرضيات الرائجة حول إصابة الكائنات بالأورام تفيد بأنه عندما يكون جسم الكائن كبيرا جدا، يجب أن تزداد فرص إصابته بالسرطان لأن المخلوقات ذات الأجسام الكبيرة فيها خلايا أكثر.
"لكن الحقيقة أن هذه الفرضية غير صحيحة بالنسبة لكل الأنواع، وهي مفارقة قديمة في الطب التطوري وبيولوجيا السرطان، تشير إلى أن التطور وجد طريقة لتقليل مخاطر الإصابة بالسرطان لدى كثير من الكائنات الضخمة"، يوضح لينش.
في الدراسة الجديدة، اكتشف لينش وزملاؤه كيف تطورت الأفيال وأقاربها الأحياء والمنقرضين لتصبح مقاومة للسرطان. ويشرح الباحث أنه وفريقه أجروا بحثا سابقا يدرس البروتين TP53، وهو جين مثبط للأورام لدى البشر، وله دور مهم في الكائنات متعددة الخلايا، حيث يقوم بتنظيم دورة الخلية وبالتالي يلعب دورا رئيسيا في كبح الأورام والوقاية من السرطان.
"قلنا هذه المرة، دعونا ننظر فقط إلى ما إذا كان جينوم الفيل بأكمله يتضمن نسخا أكثر من مثبطات الورم أكثر مما تتوقع. هل الاتجاه عام أي بعدد من الجينات؟ أم أن الاتجاه خاص بجين واحد؟ لقد وجدنا أنه عام: تمتلك الأفيال الكثير والكثير والكثير من النسخ الإضافية من الجينات المثبطة للورم، وربما تساهم جميعها على الأرجح قليلا في مقاومة السرطان"، يضيف لينش.
الكثير من أقارب الأفيال لديها نسخ إضافية من الجينات المثبطة للورم، فقد وجد العلماء أن جينومات الأفيال تمتلك بعض المضاعفات الفريدة التي قد تساهم في تثبيط الورم
على الرغم من أن الكثير من أقارب الأفيال لديها نسخ إضافية من الجينات المثبطة للورم، فقد وجد العلماء أن جينومات الأفيال تمتلك بعض المضاعفات الفريدة التي قد تساهم في تثبيط الورم من خلال الجينات المشاركة في إصلاح الحمض النووي، ومقاومة الأكسدة والشيخوخة والموت.
من خلال تحديد كيفية تطور الأنواع الحيوانية الكبيرة طويلة العمر، نكتشف طرقا أفضل لمقاومة أورام السرطان، ويمكن للعلماء أن يتعلموا شيئا جديدا حول كيفية عمل التطور، بالإضافة إلى زيادة فرص إيجاد طرق لاستخدام هذه المعرفة للوصول إلى علاجات جديدة للسرطان.
خلال الدراسة الحالية، درس الباحثون نسخا من الجينات المثبطة للورم في الحمض النووي لفيلة السافانا الآسيوية والأفريقية، وكذلك في جينومات عدد من الكائنات، مثل شامات الرأس الذهبية، وزبابة الفيلة، وخراف البحر، والماموث الصوفي المنقرض.
كما درس الفريق أيضا بعض الأنواع التي تنتمي إلى مجموعة من الثدييات تسمى "غريبات المفاصل"، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بالثدييات المسماة "الوحشيات الأفريقية"، ووجدوا بعض النسخ الإضافية من مثبطات الأورام في جينومات تلك الحيوانات أيضا.