على الرغم من الإنجازات العظيمة التي حققتها "ناسا" في مجال الفضاء، فإنّ أكثر إنجازاتها المحفورة في ذاكرتنا، حتى وإن لم نعاصرها، هي اللحظة التي مشى فيها نيل أرمسترونغ، يوم 20 يوليو/ تموز1969 على سطح القمر، ليصبح أول إنسان يفعل ذلك.
أرسلت الولايات المتحدة ما مجموعه اثنا عشر رجلاً إلى سطح القمر، خلال الفترة الزمنية الممتدة على مدار 41 شهراً، بداية من يوليو/ تموز 1969 مع نيل أرمسترونغ وباز ألدرين على متن الرحلة "أبولو 11"، وانتهاءً بديسمبر/ كانون الأول 1972 مع يوجين سيرنان وهاريسون شميت على متن الرحلة "أبولو 17".
سيرنان آخر من غادر سطح القمر. لكن السؤال الملحّ هو لماذا لم يعد رواد الفضاء إلى القمر منذ 50 عاماً؟ هنا محاولات لعدد من رواد الفضاء وغيرهم من الخبراء للإجابة عن هذا السؤال.
الوصول إلى القمر مكلف. العقبة الحقيقية لأي برنامج رحلات فضائية، وتحديداً الرحلات التي تضم أشخاصاً على متنها، هي التكلفة الباهظة. بلغت ميزانية "ناسا" لعام 2022 نحو 24 مليار دولار أميركي، علماً أنّ إدارة جو بايدن طلبت من الكونغرس زيادة في الميزانية إلى ما يقرب من 26 مليار دولار لعام 2023. قد تبدو هذه المبالغ كبيرة جداً، لكن عند تقسيمها بين جميع أقسام الوكالة والمشاريع الطموحة لها، مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي، ومشروع الصاروخ العملاق المسمى نظام إطلاق الفضاء (SLS)، والبعثات البعيدة إلى الشمس والمشتري والمريخ وحزام الكويكبات وحزام كايبر وحافة الغلاف الشمسي، ستكون معقولة، خاصة إذا ما قورن المبلغ بالميزانية التي من المقرر أن يحصل عليها الجيش الأميركي لعام 2023، وهي نحو 858 مليار دولار.
كما أن ميزانية "ناسا" صغيرة إلى حد ما بالنسبة إلى ماضيها. فبحسب رائد الفضاء في رحلة "أبولو 7" والتر كانينغهام، "بلغت حصة ناسا من الميزانية الفيدرالية ذروتها عند 4 في المائة عام 1965". وأضاف: "على مدار الأربعين عاماً التي تلتها، ظلت النسبة أقل من 1 في المائة، وبقيت الميزانية تنكمش حتى وصلت خلال الخمسة عشر عاماً الماضية إلى نحو 0.4 في المائة من الميزانية الفيدرالية".
كذلك، إنّ عملية تصميم وهندسة واختبار مركبة فضائية تنقل الناس إلى عالم آخر بسهولة يمكن أن تدوم لفترتين رئاسيتين. وغالباً ما يلغي الرؤساء والمشرعون أولويات الزعيم السابق المتعلقة بالفضاء، ويبدؤون بوضع أولوياتهم الخاصة. عام 2004، على سبيل المثال، كلفت إدارة جورج بوش وكالة "ناسا" إيجاد طريقة لاستبدال مكوك الفضاء الذي كان على وشك التقاعد، من أجل العودة إلى القمر مجدداً. توصلت الوكالة إلى برنامج "كونستليشن" لإنزال رواد فضاء على القمر. أنفقت "ناسا" 9 مليارات دولار على مدى خمس سنوات في تصميم وبناء واختبار الأجهزة للبرنامج. ومع ذلك، بعد أن تولى الرئيس باراك أوباما منصبه، أصدر مكتب المساءلة الحكومية تقريراً عن عدم قدرة "ناسا" على تقدير تكلفة "كونستليشن"، ما دفع أوباما إلى إلغاء البرنامج، ووقّع على نظام SLS الفضائي بدلاً من ذلك.
أدت هذه التغييرات المتكررة في أولويات "ناسا" إلى سلسلة من الإلغاءات، وخسارة نحو 20 مليار دولار، وسنوات من الوقت والجهد الضائعين.
الاهتمام العام باستكشاف القمر كان دائماً فاتراً. حتى في ذروة برنامج "أبولو"، لم يلقَ البرنامج تأييداً واسعاً من الشعب الأميركي. أشارت استطلاعات للرأي، أجريت في أثناء بعثة "أبولو 17"، إلى أن 60 في المائة من الأميركيين يرون أنّ الحكومة تنفق بسخاء أكثر من اللازم على البرامج الفضائية. وامتدّ عدم الاهتمام إلى فتور الرغبة في العمل في مجال الفضاء. وقال رائد فضاء "أبولو 17"، هاريسون شميت، أخيراً لـ"بزنس إنسَيدر"، إنّ متوسط عمر الأشخاص في مركز مراقبة بعثة "أبولو 13" كان نحو 26 عاماً، لكنّ متوسط عمر العاملين في مركز جونسون للفضاء التابع لـ"ناسا" اليوم يقترب من 60 عاماً.
وعلى الرغم من جمال القمر، فإنه مصيدة موت للبشر، عمره 4.5 مليارات عام، ويجدر عدم الاستهانة به. تتناثر على سطحه الحفر والصخور التي تهدد الهبوط الآمن. وفي الفترة التي سبقت أول هبوط على سطح القمر عام 1969، أنفقت الحكومة الأميركية مليارات الدولارات لتطوير وإطلاق وإرسال الأقمار الصناعية إلى القمر، لرسم خريطة سطحه ومساعدة مخططي المهام في استكشاف مواقع هبوط "أبولو" المحتملة.