دورة جديدة لمهرجان يُثابر على دعم سينما عربية جديدة، بعرضه بعض أبرز إنتاجاتها الأخيرة، وبتسهيل لقاءات لتمويل مشاريع من جهات عربية وأجنبية. "مهرجان مالمو للسينما العربية" محاولة جدّية للاحتفاء بتلك السينما في مدينةٍ أوروبية، في 12 دورة، والـ13 تُقام بين 28 أبريل/نيسان و4 مايو/أيار 2023. محاولة تهدف إلى تعزيز مكانة تلك السينما، وتجهد في إيجاد تمويل/منحٍ/آليات دعم لمشاريع، يبحث أصحابها عن جهات عدّة لتأمين ما يكفي من مال، للبدء بتنفيذ بعضها، ولاستكمال المنفَّذ من بعضها الآخر.
والمهرجان، إذْ يُقام في مدينة سويدية يعيش فيها مهاجرون ومهاجرات عرب كثيرون، تتقاطع دورته الجديدة مع الدورة الـ14 لـ"مهرجان برلين للأفلام العربية"، المُقامة بين 26 أبريل/نيسان و2 مايو/أيار 2023، في مدينة أوروبية، يعيش فيها مهاجرون ومهاجرات عرب كثيرون أيضاً. افتتاح المهرجان العربي في مالمو معقودٌ على "حمى البحر المتوسط" (2022) للفلسطينية مها حاج، الذي يُعرض في المهرجان العربي البرليني، المُفتَتح بـ"الملعونون لا يبكون (2022)" للمغربي البريطاني فيصل بوليفة. أفلامٌ مختارة في المهرجان السويدي، مختارة أيضاً في المهرجان البرليني.
السابق يطرح تساؤلات: أهذه منافسةٌ معقولة بين مهرجانين عربيين، في مدينتين أوروبيتين، يُفترض بها (المنافسة) أنْ تصبّ في مصلحة السينما العربية، وانتشارها، قدر الإمكان، في هاتين المدينتين وغيرهما؛ أم أنّ عدم التواصل والتنسيق بين إدارتي المهرجانين سينعكس سلباً على تلك السينما؟ أيكون الموعد الواحد، تقريباً، للدورتين الجديدتين عادياً وغير مؤذٍ؛ أم أنّ كلّ مهرجان غير مُكترث بالآخر، فيُحاول جذب أفلامٍ وضيوفٍ أكثر من الآخر؟
لا تبغي التساؤلات انجراراً إلى كلامٍ غير نقديّ، بقدر ما تطمح إلى قراءة مبسّطة لواقعٍ سينمائي عربي، يريده أناسٌ عديدون فاعلاً في بيئات أوروبية، ومؤثّراً إيجابياً في علاقة تلك السينما بمقيمين ومقيمات في المدينتين وغيرهما، ممن يرغبون في معاينة أفلامٍ عربية، تروي نتفاً من حكاياتٍ وحالاتٍ وانفعالات وأهواء وأمزجة وتأملات، يصنعها عربٌ مثلهم، عنهم وعن بلدانهم الأصلية، إنْ يرغب هؤلاء المُقيمون والمقيمات، فعلياً، في متابعة سينما منبثقة من بيئاتهم ومجتمعاتهم وثقافاتهم.
إذاً، مساء اليوم (28 أبريل/نيسان 2023)، تُفتتح الدورة الـ13 لـ"مهرجان مالمو". 12 فيلماً في مسابقة الأفلام الطويلة، مُنتجة حديثاً، بالإضافة إلى فيلم الافتتاح. تنويع المواضيع المختارة يتساوى وتنويع في الاشتغالات. الهموم مستلّة من أحوال أفراد، وانعكاس ضغط الجماعة وتأثيراتها عليهم/عليهنّ. هناك مسابقة للأفلام القصيرة (17 فيلماً)، يُفترض بها (الأفلام) أنْ تعكس حيويةً سينمائية في مجالٍ يبدأ كثيرون وكثيرات فيه، من دون الاكتفاء به، رغم أهميته وجمالياته. البرامج الأخرى تصبو إلى تقديم مزيد من أفلامٍ، يُنتظر أنْ تُشاهَد لاكتشافها، ولفهم طبيعة إنتاجها في بلدانٍ عربية تجهد في فرض نفسها سينمائياً، كالمملكة العربية السعودية مثلاً.
عنوان برنامج مستقلّ مُثير للاهتمام: "أفلام تستحقّ المُشاهدة"، رغم أنّها تضمّ فيلمين اثنين فقط، "ثلاثة وعود" (إنتاج مشترك بين فلسطين والولايات المتحدّة الأميركية، 2022) ليوسف سروجي، و"صيف في بجعد" (إنتاج مشترك بين المغرب وفرنسا وبلجيكا، 2022) لعمر مول الدويرة، الذي يُعرض أيضاً في برنامج "عروض المدارس". فهل عنوانٌ كهذا يعني، ضمنياً، أنّ الأفلام الأخرى غير مستحقّة أنْ تُشاهَد، أمْ أنّ هناك رغبةً خفيّةً لتمييز ما يستحقّ التمييز، في لائحة تضمّ 45 فيلماً؟ "المُشاهدة" وحدها كفيلةٌ بالإجابة. لكنّ الواضح أساساً أنْ التنويع (المواضيع وأساليب الاشتغالات) ينسحب على تقليدٍ متّبع في المهرجان: مدن سويدية ودنماركية تشهد، غداة حفلة الختام، عروضاً لأفلامٍ مختارة من برمجة الدورة الـ13 هذه.
عنوان آخر يُثير انتباهاً، رغم تكراره في دورات سابقة عدّة: "ليالٍ عربية". 4 أفلام، بينها اثنان سعوديان أيضاً (هناك برنامج آخر بعنوان "أفلام قصيرة سعودية"): "طريق الوادي" لخالد فهد، و"الحامور ح. ع." لعبد الإله القرشي، الذي يُعرض في كوبنهاغن فقط. هناك أيضاً "ع مفرق طريق" (لبنان) للارا سابا، و"معز الطريق الأسود" (تونس) لمحمد علي النهدي. يقتضي التقليد أنْ تترافق العروض وحفلات متواضعة يُقدَّم فيها مأكل ومشرب وموسيقى/غناء، متأتية كلّها من بلد الفيلم. هذا اختلاف في تنظيم مهرجان، والاختلاف ملائم لمهرجان معنيّ أساساً بالسينما العربية.
كلّ مهرجان قابل لنقاشٍ نقدي. "مهرجان مالمو للسينما العربية" حاضرٌ في المدينة والبلد، كما في الدنمارك. ببلوغه 13 دورة، يُفترض بمهتمّين ومهتمّات إثارة تساؤلات عنه، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. النقاش النقدي منبثقٌ من رغبةٍ في حضور مستمرّ وفعّال له أساساً، ولمهرجانات سينمائية عربية أخرى، في أوروبا والغرب، رغم ندرتها، أو ربما بسبب ندرتها.