في الوقت الذي يترقّب فيه التونسيون مآل الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد الذي لم ينفكّ يتقلّب صعوداً ونزولاً منذ ثورة 2011، يقف المبدعون، من رسامين ومصوّرين وصناع محتوى، وكثير غيرهم، أمام معضلة لطالما هيمنت على مسيرتهم الإبداعية، وهي سرقة الملكية الفكرية والفنيّة. يأتي ذلك على الرغم من الإطار القانوني الذي من المفترض أنه يحمي حقوق هؤلاء المبدعين، وأهمها الفصل 41 من دستور 2014 الذي جاء فيه أن "الملكية الفكرية مضمونة"، فضلاً عن القانون عدد 36 لعام 1994 الذي يتعلّق بالملكية الأدبية والفنية، والمُنقّح في القانون 33 لعام 2009.
استجدّ آخر فصول سرقة الملكية الفنيّة، أخيراً، حين شارك الفنان التونسي المقيم في دبي فوزي الخليفي، واسمه الفنّي إل سيد (eL Seed)، على حسابه على "إنستغرام" حادثة تعرّض أحد أعماله الذي يعود لسنة 2014 للسرقة على يد سلسلة فنادق شهيرة. أُخذ جزء من العمل وزُيّنت به الأسرّة، من دون أي احترام لجهود الرسام أو تقدير لقيمة أعماله التي تتزين بها تونس وقطر والولايات المتحدة وكندا وفرنسا ومصر. منذ بداياته، وإل سيد يحمل على عاتقه مهمة تعزيز التواصل بين الناس، بما يجعل أحدنا أكثر تقبلّا للآخر. يتجلى ذلك في الدراسة التي تسبق تنفيذه أي عمل، حرصًا على أن تصبح رسوماته جزءًا من المكان الذي تُعرض فيه، وليست دخيلة عليه. على سبيل المثال، كان العمل الذي أنجزه على الحدود بين كوريا الجنوبية وشقيقتها الشمالية، ترجمة إلى العربية لقصيدة شاعر كوري شمالي يُدعى كيم سوول، كتبها قبل انقسام البلدين. واتّبع إل سيد النهج ذاته في فرنسا، حين أنجز عملاً كان عبارة عن ترجمة لإحدى كتابات الفرنسي أونوريه دي بلزاك. "وبهذه الطريقة، يشعر الناس أن هناك ما يربطهم بالعمل الفني"، على حد تعبيره.
من جهته، يسعى صانع المحتوى ربيع بن إبراهيم، المعروف باسم The Dreamer، من خلال مقاطع الفيديو التي يصوّرها ويخرجها بإتقان إلى نشر الوعي بشأن الحفاظ على الطبيعة والموروث الثقافي في تونس. "لدينا تنوع ثريّ في الطبيعة والحياة البرية، ولكننا نجهل قيمتها، وغالباً ما لا يكون الحفاظ عليها ضمن أولوياتنا. فمثلاً، ليس لدينا ما يكفي من المتنزهات. يجب أن نعي أن التلوث ليس محصوراً في بلد بعينه. قد تظهر مشكلة ما في بلد بعيد، ولكننا نرى آثارها في بلادنا. هذا الصيف، لاحظ مرتادو الشواطئ في تونس أن البحر ارتفعت حرارة المياه فيه، ما يعود إلى ارتفاع حرارة البحر الأبيض المتوسط بأربع درجات بسبب الاحتباس الحراري".
في الأثناء، يعمل ربيع بن إبراهيم على تنويع المحتوى الذي يقدّمه والتوسّع خارج إطار مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه يواجه غياب المستثمرين المهتمّين بالحفاظ على الطبيعة أو السياحة البيئية من داخل تونس. "اليوم، يأتي سياح إلى تونس وكلهم رغبة في زيارة المناطق الطبيعية في البلاد واكتشاف ثقافتنا وموروثنا"، وفقاً لما صرح به.
في المقابل، وجد The Dreamer جهات خارجية أولت اهتماماً بما يقدّمه، وسعت إلى تنفيذ مشاريع بالتعاون معه. "عملت في فرنسا على أربعة أفلام وثائقية عن محميات طبيعية هناك، كما عملت في المغرب والأردن ولبنان، لكنني تونسي وأظل أعود إلى بلدي دائماً. كما تأتيني فرص من بلدان أخرى، ولكنني أرفض التعاون مع جهات لا أتشارك معها المبادئ ذاتها في ما يتعلق بالطبيعة والحفاظ عليها".
رغم الرسائل الإنسانية، لا يسلم المبدع التونسي من محاولات التشويش عليها، إما بمواجهته انتقادات لاذعة، كما هو الحال مع إل سيد على سبيل المثال، لخروجه عن الاستخدام النمطي للخط العربي، أو من خلال تعرّض أعماله للسرقة. والغريب في الأمر أن هذه المحاولات تأتي من تونس، البلد الذي من المفترض أنه الحاضن مبدعيه. يروي لنا إل سيد أنه في عام 2020، تواصلت معه وزارة السياحة التونسية، تطلب منه العمل على شعار جديد لها. لكن في اليوم الذي عُقد فيه مؤتمر صحافي للكشف عن الشعار، اتضح أن هذا الأخير قد سُرّب على موقع فيسبوك، لتقوم بعدها حملة ضد الفنان الذي انتُقد بسبب عمله، كتوظيفه اللون الأسود الذي رأى المنتقدون أنه تذكير بتنظيم داعش.
بدل من أن يحاول الدفاع عن نفسه أو تبريره عمله، ردّ إل سيد على هذه الإساءة بخروجه في اليوم التالي، يطوف البلاد، ويرسم على عدد من الجدران في مدن متفرقة كلمة "حب". تكرّر الأمر ذاته في "إكسبو دبي" (2020)، حين سُرق المفهوم الذي عمل عليه الفنان من أجل تزيين الرواق الخاص في تونس، واستُخدم لاحقاً في المعرض من دون موافقته، حتى إنه فكّر في رفع دعوى قضائية ضد الحكومة التونسية، لكنه فضّل التخلي عن ذلك.
كان لربيع بن إبراهيم أيضاً نصيب من هذه السرقة، حين عرض تلفزيون دبي أحد مقاطع الفيديو التي عمل عليها صانع المحتوى الشاب، بالتزامن مع استضافة وزيرة التجارة لتتحدث عن المشاركة التونسية في المعرض العالمي. في هذا الخصوص، يقول إل سيد: "قلت لربيع إنه سيخسر طاقته، ولن تزيده متابعة الموضوع سوى امتعاض. أخبرته أنه لن يظل الشخص الذي يصنع مقاطع الفيديو، بل سيتحول إلى ربيع الذي تُسرق منه هذه المقاطع. يصبح الأمر عبارة عن دعاية سلبية. نحبّ تونس ولكننا لا نجد التقدير. لم يحدث أن نزلت يومًا ضيفًا على أي قناة تلفزيونية أو تحدثت عني إحدى الصحف".
بالنسبة لربيع بن إبراهيم، فهو يعتبر سرقة محتواه هضمًا لحقّه وسببًا رئيسيًا في فقدانه فرصاً مهمّة. فإلى جانب تعرّض محتواه للسرقة من قبل عدد من القنوات التلفزيونية العربية، يواجه معضلة سرقة أعماله من قبل جهات رسمية في تونس، مثل ما حدث مع وزارة الثقافة ووزارة التجارة أخيراً. "الأمر مؤلم جدا. لم أرفض يوماً تقديم خدماتي لبلادي من دون مقابل. مع ذلك، يتعرض عملي للسرقة، ما يعرقل جهودي في التطور وتقديم الأفضل". يؤكد بن إبراهيم أنه بات من الضروري سنّ قوانين ردعيّة، تجعل كل من يُقدم على سرقة ملكية فكرية أو فنية يدفع تعويضات مادية في سبيل الحدّ من هذه الظاهرة.
وبالنظر إلى الإجراءات القانونية لتتبّع حوادث السرقة، فقد أُثبت عدم جدواها، لا سيما حين تكون الجهة المسؤولة عن السرقة خارج تونس، ما يتطلب تكليف محام بالعمل على القضية دولياً. "الأمر معقد ولا ينتج عنه شيء. أُفضّل الاستمرار في تقديم المحتوى والتركيز على المهمة التي أعمل لأجلها، عوضاً عن إهدار وقتي في التبعات القانونية". مع ذلك، فهو يجد دعمًا هائلًا على مواقع التواصل الاجتماعي في كل مرة يشارك فيها تعرّضه لسرقة محتواه.