رأى مراقبون في تحولات ألسنة الإعلاميين المصريين بشأن المقاومة الفلسطينية، وتحديداً حركة حماس، تعبيراً عن التضارب في المواقف، وأن الموقف الأخير الداعم للمقاومة، على غير العادة، هو موقف المضطر تجنباً لإذكاء الغضب الشعبي، غير أن "ما في القلب في القلب"، انعكاساً للموقف السياسي الرسمي، وما في القلب كشف عنه هؤلاء خلال السنوات العشر الماضية.
ومن المعروف أن معظم وسائل الإعلام المصرية خاضعة للسلطة أو رجالها في عالم الأعمال والإعلام، ما يعني أن مواقف المذيعين تعكس موقف السلطة وما تريد إيصاله من رسائل غير مباشرة.
وقد برزت محاولات مستترة لنقد المقاومة عامة، وحركة حماس خاصة، بعد إبرام حماس هدنة للتهدئة والإفراج المتبادل عن الأسرى. ولم يقتصر الأمر على انتقادات المذيعين، بل امتد إلى الأذرع الإلكترونية.
وبرزت الفجاجة الكاملة، كما في حالة إبراهيم عيسى، الذي وصف عمليات المقاومة بـ"الإرهاب"، في تماه مع الخطاب السائد في وسائل الإعلام الأميركية، ومنها قناة الحرة حيث يعمل مذيعاً. كما حضر الانتقاد الناعم المستتر بشيء من الذكاء، كما لدى عمرو أديب، الذي نقل الانتقادات على ألسنة معارضي المقاومة. وجه أديب تساؤلات لعدد من ضيوفه، ناقلاً إياها عن آخرين، وأبرزها: هل تحرير 150 طفلاً وامرأة فلسطينيين كان يستحق استشهاد 15 ألف فلسطيني وتدمير قطاع غزة، وتعرض المنشآت المدنية والمستشفيات لهذا الدمار؟ نقل أديب عن المنتقدين قولهم إن الفلسطينيين، بحسابات المكسب والخسارة، خرجوا مهزومين من هذه المواجهة.
واعتبر مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في مؤسسة الأهرام عماد جاد، بعد صفقة تبادل الأسرى، أن "من يصف ما قامت به حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) وما بعدها بالبطولة واهم"، في إشارة إلى عملية طوفان الأقصى التي نفذها مقاومة "القسّام"، الجناح العسكري لحركة حماس، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي. ولم يتردد جاد في القول إن الحركة "ارتكبت مجازر في قطاع غزة"، مضيفاً في تصريحات تلفزيونية أنها "لم تكن تدرك أن رد الفعل الإسرائيلي على هجومها سيكون على هذه الشاكلة"، مطالباً بـ"إدارة دولية لغزة".
بدورها، وصفت اللجان الإلكترونية حركة حماس بأنها "تغامر باستقرار المنطقة، ولم تستشر أحداً قبل عملية طوفان الأقصى، ولا تخدم المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني بقدر ما هي أسيرة للنفوذ الإيراني"، مدللين على ذلك بتوجيه الشكر من قبل قادة الحركة لكل من إيران وحزب الله والحوثيين. وأكثر من ذلك، زعموا أن الحركة "تحاول جر مصر إلى مواجهة مع الاحتلال، وتغامر بمستقبل 110 ملايين مصري".
وقلل العميد السابق لكلية الإعلام في جامعة قناة السويس حسن علي من أهمية وتأثير بعض الأصوات الإعلامية المنتقدة لـ"حماس" والمقاومة، لافتاً إلى أنها تأتي من قبل "فئة من الإعلاميين المأجورين الذين يوظفون أقلامهم حسب ما يرغب به رعاتهم، ولا قيمة لها، ويجب تجاهلها باعتبارها أقوالاً شاذة لا ينبغي الالتفات إليها".
وقال حسن علي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "المقاومة الفلسطينية حققت أهدافاً استراتيجية عالية القيمة وأذلت أعناق العدو الإسرائيلي، وأنهت أسطورة جيشه الذي لا يقهر، وكذلك أجهزة استخباراته، ولم تكن تغامر بطموحات الفلسطينيين ولا أملهم في التحرر الوطني كما يردد هؤلاء". وأضاف أن المقاومة "فضحت الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني، ونجحت في تأمين اصطفاف دولي غير مسبوق لصالح القضية، ولم تضر بها كما يردد أصحاب الأجندات المشبوهة، بل دفعت أحرار العالم ليتساءلوا بعد صفقة تبادل الأسرى حول ما فعله الأطفال الفلسطينيون ليعتقلوا، مما شكل فضيحة غير مسبوقة للاحتلال الذي كان يقدم نفسه كواحة للديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة"، ولفت إلى أن توجيه اتهامات للمقاومة الفلسطينية بالخيانة والتضحية بالدم الفلسطيني "تنم عن جهل مطبق بالاستراتيجية ومآلات الأوضاع، فهذه المقاومة أحدثت انكشافاً استراتيجياً للعدو، وأوقفت هرولة بعض الدول العربية للتطبيع".
وقال مساعد وزير الخارجية المصري السابق، السفير معصوم مرزوق، إن اتهامات الإعلام الموجهة لـ"حماس" تعكس جهلاً بالتاريخ. وأضاف مرزوق: "حماس والمقاومة الفلسطينية خرجتا رابحتين من هذه المواجهة، ويكفي الاحترام والتقدير الذي ينظر بهما العالم للفلسطينيين، وتغيير لغة الخطاب الدولي لدرجة أن عواصم فاعلة في النظام الدولي عادت تتحدث عن القرار 181 الخاص بتقسيم فلسطين مجدداً، وضرورة تطبيق حل الدولتين بشكل يقيم الدولة الفلسطينية على كامل قطاع غزة والضفة الغربية والقدس ويستقطع مساحات يحتلها الكيان حالياً".
أما المؤرخ الفلسطيني المقيم في القاهرة عبد القادر ياسين، فرأى أن الاتهامات الموجهة لـ"حماس" من قبل بعض الإعلاميين المصريين تأتي في سياق "عمى الألوان الإعلامي والسياسي" الذين يعانونه، و"سعيهم دائماً لإدانة الضحية وتحميلها المسؤولية عما تتعرض له من مجازر على يد المعتدي الغاصب". وأضاف ياسين، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن "المقاومة الفلسطينية ليست مسؤولة عن استشهاد 15 ألف فلسطيني، بل المسؤول عن ذلك هو الاحتلال والعصابة المجرمة في تل أبيب التي تراهن دائماً على استهداف الأطفال، لاغتيال المستقبل الفلسطيني".
واعتبر أن تبني شبكات التلفزيون والإذاعة الصهيونية هذه الاتهامات واحتفائها بها "يكفي كي نعرف من أين ولصالح من يردد هؤلاء الاتهامات بحق حركة مقاومة قدمت درساً عسكرياً واستراتيجياً واستخباراتياً سيخلده التاريخ".