في مسرحية "آية"، التي عُرضت أخيرًا على خشبة مسرح الشمس في عمّان، للمخرج أحمد سرور، يحاول مؤلّف العمل، محمد المعايطة، عبور حقل الألغام، بطرحه لمخاوف يومية لفتاة عمّانية في مقتبل العمر. حوار متوتر طويل على امتداد المسرحية التي قاربت ساعة من الزمن، يدور معظمه تحت إضاءة زرقاء خافتة، على مقعد من تلك الموجودة على قارعة الرصيف. يحضر مؤثران صوتيان فقط؛ أصوات الدوريات في ليل المدينة، وصوت أذان الفجر.
يحاول الممثلان الوحيدان، أحمد سرور وسلسبيلا أحمد، وضع المشاهد في صلب القضايا المطروحة التي تتجاوز مخاوف المرأة في مدينة تضطرب، وتلتحق بكبريات المدن في التحول نحو الاستهلاك والتسليع الإنساني.
في البحث عن الحبكة، تتسارع الأحداث من الدقائق الأولى نحوها، إذ يلتقي البطلان على إحدى إطلالات المدينة، حيث تحاول آية القفز عن أحد جبال عمّان، تزامنًا مع وصول الشاب الهارب من هموم الحياة اليومية إلى شرب الكحول على المطل نفسه. هنا، يبدأ الحوار الذي يفسر العقدة حول دافع آية للانتحار، ليستعرض الممثل أغلب التحديات التي يواجهها الأردنيون، بلهجة عمّانية بيضاء لم تخل من الكوميديا السوداء، والإشارات السياسية إلى فساد مستشرٍ.
يقترب بطل المسرحية من سفح الجبل/حافة الهاوية، يوهم الجمهور بمحاولاته المتكررة بكسره للجدار الرابع، لكنه سرعان ما يتراجع، ويواصل حديثه بإشارته إلى الجريمة والتسول والفقر. ترد عليه آية بتوتر وتروّ، ساردةً مشاهد من حياة المرأة اليومية، وما تعانيه في الشارع والعمل والمنزل، لتحكي عن عيون المتربصين في إشارتها لنظرة المجتمع، والمتحرشين، وعن ذلك الخوف الذي لا يفارقها أبدًا، لتفاجئه بأنها تحاول الانتحار للتخلّص من كل تلك الأعباء المجتمعية. ربما نجح العرض بطرح قضايا المرأة من دون تنميط، كما نراها في العديد من الأعمال التلفزيونية والمسرحية.
يحاول الكاتب محمد المعايطة والممثل والمخرج أحمد سرور، تحويل المسرح في الأردن من عروض موسميّة تتوزّع على مهرجانين أو ثلاثة، إلى فعل يومي ومتنفس لأهل المدينة، ضمن مشروعهما الثنائي، إذ يصفه المعايطة بمشروع طويل المدى، بدأ يرى النور في عرضهما الأول "تابو"، لصنع تغيير في الحالة المسرحية التي تعد آخر هموم المواطن، كما يصفها.
يوضح المؤلف أن "آية" نص مسرحي اشترك في تطويره الممثلان، في سعي إلى وضع نص أصيل خارج من قلب البيئة العمّانية، بعيدًا عن الأعمال الجاهزة والمعدّة مسبقًا. بدوره، يرى أحمد سرور أن هذه التجربة التي بدأت بمسرحية "تابو"، وها هي تتواصل مع "آية"، تمثّل لملء الفراغ المسرحي في الأردن، مشيراً إلى أن عروضه تمثل حالة تجريبية، يبنى بها النص من عمق الواقع بعد جلسات طويلة من العصف الذهني، وصولًا إلى العرض إلى الخشبة الذي لا يخلو من الارتجال.
وفعلاً، تجتمع في العمل عناصر الكوميديا والتراجيديا؛ مشهد سيزيفي يصوّر مشاكل إنسان ما بعد الحداثة، من الولادة مرورًا بما يسميه أحمد سرور "الاعتقال الإداري"، داخل أسوار الجامعات والمدارس، وليس انتهاء بالوظيفة التي تحول الإنسان إلى ماكينة تخدم المنظومة الاقتصادية.
تخفّفت خشبة مسرح الشمس، التي احتضنت "آية"، من الديكور والمبالغة السينوغرافية، ليتمحور العرض حول الحوار والتمثيل. يبرّر القائمون على العمل ذلك بمحاولتهم صنع حالة مسرحية مستقلة، تبتعد في مضامينها عن أجندات الداعمين والممولين، وتحاول أن تكسر الجدار الرابع مع الجمهور.