لم تنعدم الأفكار ولا الروايات العربية التي بإمكانها أن تتحوّل إلى مسلسل درامي، من شأنه أن يستوفي الشروط والمعايير الجدية للإنتاج والعرض. لكن تحولات ما يعرف بإنتاج "الدراما المشترك" تشي بمزيد من التراجع في رؤية وتقييم هذه الأعمال التي نشاهدها اليوم.
هناك ثلة من المحسوبيات والعلاقات العامة، تحصر بعض الكتّاب ضمن شركات إنتاج لتبادل النصوص والتنفيذ، من دون معايير خاصة، على العكس؛ ففي حال حقق العمل نجاحاً، ولو معقولاً، يبدأ الصراع مجدداً على قدرة المنتج على تنفيذ أجزاء جديدة، والكسب من وراء ذلك مجدداً.
قبل أيام، تساءل الكاتب السوري أحمد حامد عن الهدف من إعادة القصص الدرامية في إنتاج جديد. وقال حامد في تصريح متلفز إنه فوجئ بالتشابه بين أحداث مسلسل "حارة القبة" (إخراج رشا شربتجي)، وبين مسلسل كتبه هو قبل 16 عاماً بعنوان "ليالي الصالحية" (إخراج بسام الملّا).
كلام حامد ليس جديداً، خصوصاً اليوم، مع سعة انتشار دراما المنصات، وسهولة البحث في المواقع. يمكن توثيق التشابه بين الأعمال الدرامية وغير الدرامية، ونشرها، لكن ذلك ليس وحده المشكلة، بل تطرق حامد للسؤال حول الفائدة من تقسيم المسلسل الواحد إلى أجزاء، خصوصاً بعد نجاح الجزء الأول. وقال إن ذلك يعتبر تراجعاً لقدرات الكاتب. وهذا ما حصل مع حامد نفسه، عندما كان مجبراً على كتابة جزء ثانٍ من مسلسل "طوق البنات"، معترفاً أنه كان وقتها في ضائقة مالية؛ ما اضطره لتنفيذ رغبة المنتج في كتابة أجزاء أخرى، محافظًا على سرد أحداث منطقية ومبررة، لكنه لم يكن راضياً عنها تماماً. إضافة إلى كون مسلسلات "البيئة السورية" قد استهلكت نفسها، وتحولت إلى ما يشبه العرض الجاهز، كما حصل في مسلسل "باب الحارة" الذي فقد قيمته في الأجزاء الأخيرة (إن افترضنا أنه كان ذا قيمة أساساً بأجزائه الأولى).
يسعى بعض المنتجين العرب إلى توظيف نجاح الجزء الأول من المسلسلات بشكل تجاري بحت، وهو أمر لم يعد مستهجناً في السنوات الأخيرة، خصوصاً أمام تنامي الاستسهال في خيارات شركات الإنتاج للنصوص والأفكار التي يمكنها أن تتحوّل إلى مسلسل.
في عام 1997، عرض مسلسل "يوميات جميل وهناء" (إخراج هشام شربتجي). وبسبب النجاح المدوي الذي حققه، قرّرت شركة الإنتاج، وقتذاك، العمل على جزء ثانٍ، لم ينفذ في دمشق، بل اتجه نحو دبي، بعد دخول مجموعة من المنتجين كشركاء في الجزء الثاني، لكن المسلسل لم يحقق نجاح الجزء الأول الذي اعتمد على الخفة والبساطة، فيما جاء الجزء الثاني متكلفاً.
كذلك، لم يكن مسلسل "الهيبة" (إنتاج عام 2016، وإخراج سامر البرقاوي)، بمنأى عن مرمى الاتهامات بعد عرض الجزء الثاني بعنوان "الهيبة: العودة" وتراجع حدة الأحداث، بل واستغلال واجترار المواقف والحوارات، ودخول شخصيات جديدة بعضها من دون مبرر..
كل ذلك مهّد لتراجع المسلسل فنياً، لكن نسب المشاهدة ظلت جيدة، وأثمرت عن إنتاج خمسة أجزاء متتالية (يبدأ في الثامن عشر من الشهر الجاري عرض الجزء الأخير)، وربما أدركت معها الشركة المنتجة أن هذا النوع من الدراما، واستغلال نجاح الجزء الأول، هو هدف لتحقيق مكاسب مالية، واستغلال صورة الممثل تيم حسن، ببناء درامي ضعيف، ومُستهلك.