أسدل الستار أخيراً على فعاليات الدورة السابعة والثلاثين من مهرجان جرش للثقافة والفنون في الأردن، بعد 11 يوماً من الحراك الفني والثقافي، ابتداءً من 27 يوليو/ تموز الماضي، والذي شمل 343 فعالية قُدمت على مسارح المهرجان السبعة داخل المدينة الأثرية العتيقة في جرش (48 كيلومتراً شمال العاصمة عمّان).
وكان لافتاً للنظر حجم الفعاليات التي ازدحم بها برنامج المهرجان، وهو الأمر الذي ردّه المدير التنفيذي أيمن سماوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى "حاجة الناس للفرح، وقدرة إدارة المهرجان على استيعاب أكبر قدر من الجمهور، في المسارح المختلفة والمعدة لاستقبال الفعاليات".
وأشار أيمن سماوي إلى أنّ مهرجان جرش للثقافة والفنون، باعتباره لا ربحيا "كان لزاماً عليه إتاحة الفرصة لأكبر عدد من المواطنين الأردنيين والسياح والزوار العرب، لحضور مختلف أنواع الفعاليات الفنية والثقافية والفلكلورية مجاناً، باستثناء حفلات المسرح الجنوبي الجماهيرية". وقال سماوي: "جميع المهرجانات العربية الأخرى تفرض أسعاراً عالية لتذاكر دخول الحفلات، بما لا يتناسب مع مستوى دخل الفرد، ونحن في جرش نتحمل التكلفة الحقيقية لأي حفل، وندعمه، بحيث يستطيع الزائر رؤية كل نجوم الغناء الكبار مقابل بطاقات أسعارها زهيدة، إذ يبلغ سعر الواحدة 20 ديناراً أردنياً (نحو 28 دولاراً أميركياً)".
حفلات جماهيرية
شارك في حفلات المهرجان الجماهيرية التي أقيمت على خشبة المسرح الجنوبي، الذي يتسع لـ4 آلاف شخص، مجموعة من نجوم الغناء العرب. بدا واضحاً من الإقبال على حفلات معينة دون أخرى انحياز الجمهور لجودة الفن وإعلاء قيمته، من خلال التواجد والتفاعل، فحظي الفنان الأردني عمر العبداللات برقمين قياسيين حققهما في مهرجان جرش للثقافة والفنون، أولهما مشاركته للمرة الثالثة عشرة في دورات المهرجان، وثانيهما نفاد تذاكر حفله بعد أقل من خمس ساعات على طرحها.
بدوره، حافظ الفنان السوري جورج وسوف على وهجه الجماهيري ومحبة الناس له، فقد امتلأت جنبات المسرح الجنوبي بالجمهور قبل ساعات من حفله، وهو أمر كان متوقعاً بعد أن رفعت إدارة مهرجان جرش عبارة "بيعت بالكامل" على تذاكر حفله. وكان مقرراً أن يضاف حفل آخر للوسوف إلى برنامج الفعاليات في آخر أيام المهرجان، لكن لم تتبلور فكرة إقامة حفل إضافي إلى مستوى التطبيق، لارتباطات فنية مسبقة للوسوف.
ومن أبرز مشاهدات المهرجان الحضور الجماهيري الغفير الذي حققه الفنان السعودي خالد عبد الرحمن، في حفله الأول في الأردن. حضور الجمهور بهذا القدر كان رداً غير مباشر على بعض الفنانين العرب الذين رفضوا الغناء في اليوم نفسه الذي أقيم فيه حفل عبد الرحمن، مفضلين الغناء في إجازة نهاية الأسبوع في الأردن جذباً للجماهير.
وإن كان متوقعاً أن تحظى حفلات وائل كفوري وديانا كرزون وصابر الرباعي وأسامة جبور، في ختام أيام المهرجان، بحضور جماهيري كبير، فلم يكن مفاجئاً أن يكون الإقبال متوسطاً على حفلي راغب علامة ونجوى كرم، إذ لم تحقق أغنيات "شمس الأغنية اللبنانية" في ألبومها الأخير أي صدى في الأردن، وانشغلت هي وجمهورها قبل حضورها في جرش بدخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية لأطول فستان، فيما لا يعد راغب علامة من النجوم الذين يمكن أن يحيوا حفلات جماهيرية في الأردن خلال فترات متقاربة زمنياً، ويبدو أن حضوره الأخير، قبل شهرين، إلى الأردن، قلل من رغبة الناس في ملاقاته مجدداً.
ضيف شرف ودراما
حفل البرنامج الفني للمهرجان أيضاً بمشاركة فنية نوعية، إذ حلت مصر ضيفة شرف على الفعاليات، وأقيمت نشاطات الدولة ضيف الشرف على المسرح الشمالي، وتضمنت حفلاً لفرقة "الموسيقى العربية"، وآخر لفرقة "وسط البلد"، وحفلا للمطربة مروة ناجي، وآخر للمطرب هاني شاكر، ومشاركة للفنان أحمد شيبة وفرقة "مواويل" على خشبة المسرح الرئيسي.
وضمن محاور التجديد في برنامج المهرجان، وخروجاً عن التقليدية، أقيمت ندوة حوارية ناقشت "مفهوم الدراما وأهمية نقل الواقع المعاش للجمهور"، بمشاركة فنانين عرب، هم: الكويتية هدى حسين، والسورية أمل عرفة، والكاتب المصري مدحت العدل، ونقيب المهن التمثيلية في مصر أشرف زكي. وأدارها نقيب الفنانين الأردنيين المخرج محمد يوسف العبادي، وأجمع فيها المشاركون على أهمية أن تعكس الدراما الواقع المعاش للناس، وأن تعبر عن أحلامهم وطموحاتهم، واتفقوا على حاجة الدراما العربية إلى مشروع وحدوي ثقافي فني عربي، يحافظ على الهوية العربية، في ظل تقديم أعمال منسوخة عن دراما بعيدة عن قيمنا وهويتنا.
نقل تلفزيوني... وجمهور
على الرغم من أن الأجهزة الرقمية الحديثة سهلت تصوير ونقل وبث أي حدث من خلال منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، فلا يزال بعض الفنانين يصرون على عدم تصوير حفلاتهم الغنائية إلا بمقابل مادي، وهذا ما كان في حفلات جورج وسوف وراغب علامة ونجوى كرم. إذ جرى الاكتفاء بتصوير خمس دقائق من كل حفل من أجل التوثيق، بعدما طالب الفنانون الثلاثة بمبالغ إضافية على تصوير وبث الحفل، لصالح التلفزيون الأردني الناقل الرسمي للفعاليات.
ويحسب لإدارة المهرجان هذا العام قدرتها على التعامل مع الضغوطات، بعدم الرضوخ لأي مطلب من الفنانين لفتح الأبواب أمام الجمهور خارج المسرح الجنوبي، لملء جنبات المسرح، إذ حقق كل فنان حضوره الجماهيري، بحسب أهميته وانتشاره ورغبة الناس بسماعه، مما ساهم في توضيح درجات نجومية كلّ فنان، بناءً على الطلب الجماهيري لحضور حفله.