"هناك روح ترسم، وروح تشتري، وروح ستستفيد"، بهذه الجملة تعرّف الفنانة السورية الشّابة صباح علي، بمعرضها الفني الخيري في مدينة إسطنبول "من روح إلى روح"، والذي تعكف من خلاله على رسم لوحات مبتكرة على الحقائب اليدوية لبيعها في الأسواق، بهدف كفالة الأطفال السوريّين الأيتام.
تعقد الصبيّة السورية ياسمينة بيضاء على طرف شعرها القصير المتموّج، وكأنّها تخبر الناس عبر هذه الزهرة الأثيرة عن مدينة دمشق التي جاءت منها.
تنشر صباح صورها عبر "إنستغرام"، وهي تحمل الحقائب اليدوية التي رسمت عليها مواضيع فنية تدعو معظمها للحياة والحب، فيما خطّت على حقائب أخرى أبياتاً من قصائد نزار قبّاني ومحمود درويش، إضافةً إلى كلمات من أغاني فيروز وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم.
هذا المعرض هو ثاني معارض "روح"، وقد استطاع جمع 23 فناناً من دول مختلفة واختصاصات فنية متنوّعة من خطاطين ورسامين وفنّانين.
تقول علي: "أبرز ما يميّز المبادرة هو حبّ الفنانين اللامحدود للعطاء من كل قلبهم، أهدونا قطعاً ولوحات فنية حصريّة وشرّفونا بحضورهم ودعمهم".
وفي هذا السياق توضح الفنانة السورية أصل التسمية: "أسميت المشروع روح لأنّ لكل قطعة روحها المميزة، فكلّ حقيبة أو لوحة مختلفة عن الأخرى. وما دفعني لتأسيس المشروع الأسى الكبير الموجود في العالم، بسبب الحروب والنزاعات التي تدمّر البشر والحجر، وما ينجم عنها من تهجير وتدمير للمنازل، أشعر بمسؤولية كبيرة تجاه الناس المتضررين من الحروب من دون أي ذنب ولا سيّما الأطفال".
وتحكي الفنانة السورية عن كيفية ظهور الفكرة: "المبادرة بدأت بعد وفاة والدي، انتابتني مشاعر حزن شديدة. كنت أنشر يومياتي عبر تطبيق إنستغرام، ومن هنا عرفني الجمهور والفنّانون على منصات التواصل. لم أكن أستطع التعبير عن وجعي بالكلام فلجأت إلى الرسم لتفريغ حزني الشديد على والدي. أردت ألّا يغيب أثره عن هذه الدنيا، فخطر ببالي أن أساعد بكفالة أيتام سوريّين عن روحه، وكانت الطريقة الوحيدة التي أستطيع بها أن أساعد الناس هي الرسم".
تضيف: "كبر المشروع وانضمّ إليه العديد من الفنانين. جذبتهم فكرة كفالة الأيتام عن طريق الفن، وكان مشروع روح السبّاق إليها".
تبلغ مؤسِّسة "روح" 22 عاماً، وقد صلت إلى مدينة إسطنبول التركية في عام 2017، ودرست السياسة والعلاقات الدولية في الجامعة، وتعكف حالياً على دراسة علم النفس.
تقول علي عن تفاعل الناس مع مشروعها: "عندما بدأت العمل على المشروع منذ سنتين، أخبرت الناس عبر مواقع التواصل بأنّني سأرسم وسأبيع المنتجات الفنية على أن تذهب الأرباح كاملة للناس المحتاجة". وتضيف: "بحثت عن حقائب ذات نوعية جيدة لأرسم عليها، وحاولت صنع محتوى فنّي على إنستغرام لأستخدمه في الترويج لأعمالي، واستطعت بيع المجموعة الأولى كاملة خلال أقل من 24 ساعة. وبعد فترة وجيزة أطلقت مجموعتي الثّانية، التي بيعت أيضاً خلال وقت قياسي، للحقيقة كان هناك تفاعل كبير مع المشروع".
استفاد من ريع المجموعة الأولى 42 طفلاً سورياً يعيشون في مخيم في منطقة البقاع اللبنانية. تقول علي: "تواصلت مع فريق ملهم التطوّعي لتوزيع المساعدات على الأطفال خلال عيد الأضحى، على شكل عيديات نقدية للأطفال. أمّا ريع المجموعة الثانية فأحببت أن أهديه إلى أهلنا في قطاع غزّة في فلسطين".
تتابع: "أعرف أنّ ما أفعله بسيط جداً أمام كلّ الأهوال التي تحصل، ولكن أحببت أن أساعد حسب استطاعتي وبالطريقة التي أقدر عليها وهي الرسم".
تقوم الفنانة السورية في الوقت الحالي بالتواصل مع عدد من الفنانين لمساعدتها على توسيع مشروعها، بهدف إيصاله إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص المحتاجين ومساعدتهم، ولا سيّما الأطفال الأيتام في الشّمال السوري.
تقول: "أتمنّى ورغم كل هذا الأسى المحيط بنا ألّا نستسلم وألّا نكتفي بالدعاء للمحتاجين والمتضرّرين من الحروب، بل أن نحاول مساعدتهم ودعمهم مادياً ولو بشكلٍ متواضع، كلّ بحسب اختصاصه وقدرته".
تسعى علي إلى التواصل الدائم مع الأطفال الذين استفادوا من مشروع "روح"، وتحاول معرفة احتياجاتهم وأوضاعهم. تقول: "جعلني المشروع مدمنة على المساعدة والعطاء". تتابع: "بدأ الأمر مع يتيمة صغيرة والآن كبر العدد وأصبح هناك أكثر من 15 طفلاً يتيماً يكفلهم المشروع. ولا بدّ من الإشارة إلى المساعدة العظيمة التي يقدّمها المتطوّعون معنا".
كذلك تشير الفنانة السورية إلى أنّها تعمل حالياً على معرضٍ جديد، ذي مساحة أكبر وفعاليات أكثر تنوّعاً، وبمشاركةٍ عددٍ أكبر من الفنانين، وذلك بهدف "دعم كل يتيم عاش شعور الفقد".
بالتزامن مع ذلك، تسعى الفنانة السورية حالياً إلى ضمان استمرارية المبادرة عن طريق تكوين "مجتمع روح"، إضافة إلى إطلاق موقع إلكتروني يعرض المنتجات الفنية الخاصة بفناني "روح" ويتيح للزبائن شراءها.