انطلاقاً من عرض ومناقشة فيلم "بنت الباشا المدير" (1983)، واختتاماً بعرض ومناقشة فيلم "أذكياء لكن أغبياء" (1980)، ومروراً بعروض ومناقشة أفلام "زينب" (1952) و"الطريق المسدود" (1957) و"إشاعة حب" (1960) و"حمّام الملاطيلي" (1973) و"الصعود إلى الهاوية" (1978)، انتظمت فعاليات مشروع "ملاذات"، الهادف إلى إطلاق بوابة لحوار اجتماعي، بهدف استكشاف الأفلام باعتبارها نماذج كلاسيكيّة تعبّر عن تفاعلات اجتماعية بعينها، وذلك بالاتكاء على السياق والفضاء الزماني الذي جُسّدت فيه، وكذلك فهم هذه العلاقة الظرفية والمكانية للتفاعلات الاجتماعية وتأثيرها في السياق العام خارج إطارها الفيلمي.
والمشروع الذي نظمته أخيراً مؤسسة عبد المحسن القطان في مدينة رام الله تمّ بإشراف القيمة الفرنسية اللبنانية كلوي تيان، فيما أدارت النقاشات ما بعد عروض الأفلام، التي تواصلت في الفترة ما بين 12 و21 أغسطس/آب الحالي، المخرجة والفنانة الفلسطينية شروق حرب.
وتمحورت نقاشات جلّ الأفلام حول العلاقات الاجتماعية والعاطفية، والطبقية، وفكرة الاختلاف، والذكورية، والقيود المجتمعية، والأدوار الجندرية، وغيرها، رغم اختلاف السياقات الزمانية والبيئية في الأفلام، وتراوحها ما بين تراجيديا وكوميديا، وتنوع قصصها وحكاياتها.
منسقة المشاريع في مؤسسة عبد المحسن القطان، أسماء المزيّن، لفتت في حديثها مع "العربي الجديد" إلى أن مشروع "ملاذات" يقوم على فكرة الممارسات المجتمعية في إطار مساحات بعينها، فهي إن خرجت عن سياق هذه المساحات يتم التعاطي معها بتعبيرات رفضوية، من بينها العنف، أو عدم القبول، أو تأطيرها كأفعال خارجة عن الأعراف السائدة، فالرقص في سياق حفلات الزفاف النسائية يبدو فعلاً طبيعياً، ولكن خارجه يتحوّل في الكثير من المجتمعات إلى فعل غير مقبول لدى الكثيرين، على سبيل المثال، وهو ما ينطبق على الممارسات في مساحات أخرى كالمقاهي، وحمّامات النساء، والصالونات، وهي مساحات خاصة ومغلقة لها طقوسها وبنيتها الاجتماعية والاقتصادية، وأحياناً بشكل أو بآخر السياسية، كما لها لغتها الخاصة السائدة داخلها دون غيرها من المساحات الأخرى، أو خارجها، ومن هنا جاء الاسم "ملاذات"، فهذه المساحات تشكل "ملاذات" لأصحابها.
وأوضحت المزين أن اختيار أفلام مصرية تعبّر عن حقب تم تقسيمها سياسياً واقتصادياً يعود إلى قناعة القائمين على المشروع بأن ثمة الكثير من التقاطعات ما بين المجتمعين الفلسطيني والمصري.
المخرجة الفلسطينية شروق حرب قالت، لـ"العربي الجديد"، إن من بين الأفكار التي يقوم عليها مشروع "ملاذات" الانحياز للمساحات المغايرة أو الخاصة، ومن بينها قاعات السينما، بحيث قد يكون المشاهد منفرداً لكنه يتشارك العرض في المساحة نفسها مع مجموعة من المشاهدين، علاوة على طبيعة الأفلام، بحيث تعكس الواقع ولكنها لا تخلو من فنتازيا، والاتجاه نحو الأفلام المصرية يعود لكونها التعبير الأمثل سينمائياً للمجتمعات العربيّة عامة، ولكونها تعبّر عن الكثير من القضايا بحكم الإنتاج السينمائي الأبرز كمّاً وكيفاً، كما أن الأفلام المُختارة، وإن كانت من بنات أفكار عصرها وزمانها وظروفها، إلا أن الكثير منها ينطبق على واقعنا الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، في فلسطين، أو على المستوى العربي، فكثير ممّا نعيشه اليوم ونعايشه من حكايات نعتبرها جديدة كانت تحدث في أزمنة خلت، وقبل عقود، في فلسطين وخارجها، وهي بمجملها أفلام تناقش قضايا اجتماعية من زوايا مختلفة، مع انزياحات نحو قضايا أخرى ثقافية، وسياسية، واقتصادية، وغيرها، منها ما يتعلق بالعلاقات العاطفية، أو العادات والتقاليد، أو التمرّد، والطبقية، وحقوق المرأة، وغيرها، وهي قضايا كانت ولا تزال موجودة في فلسطين، وإن بأشكال مغايرة عمّا هي عليه في مصر، وقد تتقاطع بدرجات متفاوتة مع أفلام مشروع "ملاذات".
وحسب ما جاء في تعريف المشروع من قبل قيّمته كلوي تيان، فإنه يستحضر مجموعة من الأفلام المصرية ما بين عامي 1938 و1980، كبذرة أولى للمشروع، لما تحمله في تفاصيلها الضمنية من انعكاس لواقع المجتمع المصري بشكل خاص، والعربي بشكل عام، ودلالاتها كممارسات يومية مرتبطة عضوياً بقواعد الفضاءات المختلفة، التي يمكن ملاحظتها داخل الأفلام، فيما ينقسم برنامج العروض إلى ثلاثة أقسام تبعاً للمرحلة التي أُنتجت فيها الأفلام، وما يواكبها من طبيعة لنظام الحكم حينها، وتبعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي: الملكية المصرية (1922-1953)، والجمهورية الاشتراكية (1954-1970)، والتحول إلى الرأسمالية والنيوليبرالية (1971-1981)، لافتة إلى أن ما ينطبق على المجتمع المصري باتساع جغرافيّاته، وعلى مدار عقود، يمكن إسقاطه على الكثير من المجتمعات العربية.
وتتناول قصة فيلم "بنت الباشا المدير"، أول عروض "ملاذات"، حياة حكمت التي تتنكر كرجل لتدريس أولاد الباشا عوضاً عن شقيقها المصاب، لتلفت انتباه بدرية وتوفيق، ما يؤدي إلى تعقيد العلاقات وظهور مشاعر الحب والجاذبية بينهم، قبل أن تتوالى الأحداث مع تحديات الهويات المزيفة والمشاكل الشخصية. أما فيلم "زينب" فتدور أحداثه حول فتاة تعمل في المزرعة التي يشرف عليها إبراهيم. تحول الأوضاع المالية دون زواجهما، ويصرّ والد زينب على زواجها من الشاب الثري حسن.
يستدعى إبراهيم إلى الخدمة العسكرية، فيترك القرية، فيما تصاب زينب بمرض الدرن، وترفض عائلة حسن علاجها.
ويحكي فيلم "الطريق المسدود" قصة فايزة التي نشأت في أسرة تعمل في أعمال غير قانونية ولاأخلاقية، بينما ترفض هي الانخراط رغم ضغوطات العائلة، وتصر على أن يكون لها مستقبل مختلف، فتلتحق بالجامعة وتصبح معلمة، وتنتقل إلى الريف للابتعاد عن أسرتها، لكنها تواجه هناك مصيراً آخر.
ويسلط فيلم "إشاعة حب" الضوء على قصة الشاب حسين الخجول الذي يحب ابنة عمه سميحة التي لا تعيره أي اهتمام، وتحب ابن خالتها لوسي الذي يجيد الرقص والغناء، لكن والدها معجب بشخصية ابن شقيقه، فيبدأ تحويله ظاهرياً إلى شخصية أخرى تستطيع لفت انتباه ابنته، فيرسم خطة تقوم على نشر شائعة مفادها أن حسين على علاقة بهند رستم الممثلة الشهيرة.
فيلم "حمّام الملاطيلي" يدور حول قصة أحمد النازح من الإسماعيلية إلى القاهرة لاستكمال دراسته في كلية الحقوق، وللبحث عن عمل أيضاً، فيضطر للعمل والمبيت في حمام الملاطيلي في حي الجمالية، وتتوالى الأحداث، بعدما يقع في حب فتاة تعمل في تجارة الجنس، ويتعرف على مجموعة من الشباب الموصوف بـ"الضائع" في المنطقة.
ويرصد "الصعود إلى الهاوية" قصة طالبة جامعية مصرية تجند لصالح الاستخبارات الإسرائيلية بحجة العمل كصحافية أثناء دراستها في جامعة السوربون الفرنسية، وذلك خلال حرب الاستنزاف في نهاية ستينيات القرن الماضي، إلا أن الاستخبارات المصرية تكتشف ذلك وتقوم بالقبض عليها وترحيلها إلى مصر.
ويستعرض فيلم "أذكياء لكن أغبياء"، وهو الأخير من بين عروض "ملاذات"، قصة الطالبين الجامعيين زغلول وحسونة، بطولة عادل إمام والراحل سمير غانم، اللذين يبحثان عن سكن خلال فترة دراستهما، لذا يتنكران بملابس نساء كي يقبل صاحب فيلا تأجيرهما غرفة لا يؤجرها إلا للفتيات، مُخفياً وراء ذلك غرضه الخبيث وهو اصطياد الفتيات. يتعرف الصديقان على نزيلات الفيلا، ويربط الحب والإعجاب بينهم، وتتكشف قصة الطالبين، وتتعقد الأمور.