"حرب" تدور رحاها في أروقة الإعلام المصري منذ فترة، اشتدت في الأيام الماضية، بعد أن كتب أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة الدكتور أيمن منصور ندا، مقالاً على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، حذفه الموقع بعد وقت قليل من نشره، بعنوان "إعلام البغال: من أحمد موسى إلى كرم جبر!!". مقال "إعلام البغال" كان الثامن ضمن سلسلة مقالات كتبها أستاذ الإعلام المصري هاجم خلالها مذيعين وصحافيين ومسؤولين في المؤسسة الإعلامية التابع معظمها للمخابرات العامة المصرية بقيادة اللواء عباس كامل، المدير الأسبق لمكتب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والتي يشرف عليها مساعده، وذراعه اليمنى المقدم أحمد شعبان، الذي كتب، رداً على مقال منصور ندا، مقالاً على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي بعنوان "كلمات في فقه الجدل"، استشهد بكلمات الإمام محمد عبده "لا صلاح في الاستبداد بالرأي وإن خلصت النيات!"
والمعركة بين أستاذ الإعلام من جهة، ورئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والمقدم أحمد شعبان وبعض المذيعين من جهة أخرى، أثارت استغراب كثيرين في مصر، إذ إنه لم يجرؤ أحد قبل ذلك على توجيه النقد إلى المسؤولين عن المؤسسة الإعلامية التي تديرها المخابرات العامة، فما بالك بشخص هاجم المسؤول الأول باسمه، وهو المقدم أحمد شعبان، المعروف في الوسط الصحافي بـ"رئيس تحرير مصر"، ليس ذلك فقط، بل وصل هجومه إلى العقيد محمود، نجل الرئيس السيسي.
خلاف بين المدير السابق والمدير الحالي لمكتب السيسي
مصادر إعلامية مقرَّبة من الرئاسة المصرية، رجّحت في أحاديث لـ"العربي الجديد"، أن يكون وراء معركة الأستاذ والإعلام خلاف بين مدير مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي، اللواء محسن عبد النبي، والمدير الأسبق اللواء عباس كامل، مدير المخابرات العامة الحالي، الذي يسيطر على جميع وسائل الإعلام تقريباً بمعاونة المقدم أحمد شعبان. وأشارت المصادر إلى أن اللواء محسن عبد النبي، مدير إدارة الشؤون المعنوية السابق في القوات المسلحة، يحاول منذ تعيينه مديراً لمكتب الرئيس السيسي، أن يؤسس مجموعة إعلامية تابعة له، وأن يستحوذ على ملف الإعلام بشكل كامل بالتدريج، لكن اللواء كامل يقف ضد هذه الخطة بكل شراسة.
وأوضحت المصادر أن قضية أستاذ الإعلام أيمن منصور ندا، ليست الأولى في ذلك السياق، إذ إن الهجوم على وزير الإعلام أسامة هيكل الذي حدث منذ فترة، كان أحد إرهاصات ذلك الصراع. وقالت المصادر إن المنتصر غالباً في مثل تلك المواقف، هو مدير المخابرات العامة وفريقه اللواء عباس كامل، وضربت مثلاً بما حدث مع رئيس مجلس إدارة مؤسسة "أخبار اليوم" السابق، الصحافي الذي كان من أقرب المقربين من السيسي، ياسر رزق، عندما أُطيح من منصبه، بعد أن كان ينتظر منصباً أعلى، مثل رئيس المجلس الأعلى للإعلام، أو وزارة الإعلام أو حتى نقيب الصحافيين.
وذكرت المصادر أن رزق وهيكل كانا من رجال اللواء محسن عبد النبي، وأن الأول أُطيح بعد تسجيل أحد رؤساء تحرير الصحف التابعة للمخابرات العامة، جلسة جمعته برزق في مدينة شرم الشيخ عندما كانا يحضران أحد مؤتمرات الشباب التي كان يرعاها السيسي، انتقد خلالها الأخير إدارة ملف الإعلام، وذهب بالتسجيل إلى مدير المخابرات، اللواء عباس كامل.
وقالت المصادر إن اللواء محسن عبد النبي أسس في مكتبه وحدة إعلامية تابعة للرئاسة، يشرف عليها ضباط خدموا معه في السابق بإدارة الشؤون المعنوية، بينهم العقيد ياسر عطية، وهو من خريجي كلية الإعلام في جامعة القاهرة، قبل التحاقه بالقوات المسلحة، وأضافت المصادر أن أستاذ الإعلام أيمن منصور ندا، هو من المحسوبين على مكتب اللواء عبد النبي، ولذلك يقوم بالهجوم على الطرف الآخر، من أجل ترجيح كفة "إعلام الرئاسة" الجديد.
اللواء محسن عبد النبي يحاول أن يؤسس مجموعة إعلامية تابعة له
وتستشهد المصادر بأنه في إطار الهجوم المضاد من قبل مجموعة اللواء عباس كامل، على أستاذ الإعلام ورجال مكتب عبد النبي، كتب رئيس تحرير مجلة "روز اليوسف" الصحافي أحمد الطاهري، الذي يتولاه المقدم أحمد شعبان، رسالة طويلة على صفحته الخاصة على "فيسبوك"، موجهة إلى رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، يطالبه خلالها بإقالة أسامة هيكل وزير الدولة للإعلام، والدكتور أيمن منصور ندا. وقال الطاهري في رسالته: "لقد تم إقحام الإعلام المصري في سجال فارغ لتشتيته وكنا سنتجاوز مثلما تجاوزنا ما افتعله وزير الدولة سابقاً.. ولكن عند كرامتنا، فلا صمت ولا حديث ولا أسف". وأضاف أن "كرامتنا غالية.. وأكبر من مثل هذه المعارك التى ارتضيتموها من قبل وزير الدولة للإعلام ودكتور الإعلام المتجاوز في حق إعلام مصر والذى يستعين به الوزير هيكل.. والحديث نفسه موجه إلى جامعة القاهرة.. هل ترضى يا دولة رئيس الوزراء باستخدام نفس التشبيه على أعضاء الحكومة؟.. هل كان سيرضى رئيس جامعة القاهرة بأن نستخدم نفس التشبيه فى حق أساتذة الجامعة وكلية إعلام القاهرة؟.. لكننا أبداً لا نرضى.. ولا نقبل الإهانة لنا أو لغيرنا". وتابع: "السيد رئيس الحكومة.. إن ما جرى من إهانة عن قصد للإعلام المصري إنما يجعلنا نناشدكم.. إقالة الأستاذ أسامة هيكل وزير الدولة للإعلام ومعه المستعان به الدكتور أيمن منصور ندا". ودعا الطاهري في منشور لاحق كلاً من: رئيس المجلس الأعلى للإعلام ورئيس الهيئة الوطنية للصحافة ورئيس الهيئة الوطنية للإعلام ورؤساء تحرير الصحف لعقد اجتماع عاجل يوم الأحد بمقر مؤسسة روز اليوسف "لاتخاذ موقف موحد من الإهانة التى تعرّض لها الإعلام المصري".
وبمجرد نشر ندا مقاله الثامن، تقدم رئيس "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" في مصر، الكاتب كرم جبر، بشكوى إلى النائب العام حمادة الصاوي، يطالب فيها باتخاذ كل الإجراءات التي من شأنها حماية مؤسسة كفل لها الدستور حماية حرية الإعلام، متهماً عضو هيئة التدريس في كلية الإعلام في جامعة القاهرة أيمن منصور ندا بكتابة سلسلة مقالات عبر موقع "فيسبوك"، تتضمن "جرائم سب وقذف في حق الإعلاميين في مصر عامة، وفي حق البعض منهم خاصة".
وقال جبر في بيان صادر عن "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، إنه "تابع مع أعضاء المجلس شكاوى واتصالات كثيرة من الصحافيين والإعلاميين الذين طاولتهم إهانات بالغة جراء ما نشره أحد أعضاء هيئة التدريس في كلية إعلام جامعة القاهرة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وآخرها صباح الخميس". وأضاف أن "المجلس دائماً وأبداً مع حرية الرأي والتعبير، لكن من غير المقبول السكوت على سب وقذف الإعلام المصري برمته، وبعض الزملاء بأسمائهم، وفي توقيت يوفر للبعض بيئة حاضنة لمثل هذه الأفكار الهدامة، ولمثل هذه الألفاظ غير المسبوقة التي تمثل جرائم اعتداء على الشرف طاولت الإعلاميين والإعلاميات، وخرجت عن كافة قيم المجتمع المصري". واعتبر أن "ما كتبه أستاذ الإعلام لا يتصل من قريب أو بعيد بحرية الرأي والتعبير التي يحرص المجلس على ترسيخها، وإنما يمثل اعتداءً صارخاً على القيم والمبادئ والمعاني النبيلة، وهذه هي رسالة الإعلام بالدرجة الأولى"، مناشداً الكتاب والسياسيين والإعلاميين والمدافعين عن حرية الرأي والتعبير "التصدي لمحاولات النيل من الإعلام المصري، والدفاع عن تقاليد المهنة الراسخة ضد حملات الهجوم الشرسة التي تحركها عناصر تريد إحداث فتنة غير مسبوقة".
وأمس الأحد، قرر النائب العام المصري، المستشار حمادة الصاوي، فتح التحقيق مع عضو هيئة التدريس في كلية الإعلام في جامعة القاهرة، رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في الكلية، أيمن منصور ندا، في البلاغ المقدم ضده من رئيس "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، الكاتب كرم جبر، بدعوى كتابته سلسلة مقالات عبر صفحته بموقع "فيسبوك"، تضمنت إهانة للمجلس، وسباً وقذفاً لرئيسه، وأعضائه، بصورة تخرج عن حدود النقد المباح. لكن النائب العام نفسه، ومن قبله رئيس "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، رفضا فتح التحقيق في بلاغ منصور ندا ضد بعض الإعلاميين، الذين تطاولوا عليه بالسب والقذف على الهواء مباشرة، بسبب انتقاده الأداء الإعلامي في مصر خلال الفترة الراهنة.