يرى مطوّر الألعاب ويليام تشي، في مقال منشور في صحيفة "نيويورك تايمز"، أنّ التركيز على مكافحة الأثر الضار لمنصات التواصل الاجتماعي "يغفل الأثر الكبير لألعاب الفيديو على المراهقين" في الولايات المتحدة.
ويتصاعد الاهتمام الرسمي الأميركي بمكافحة التأثير السلبي لمنصات التواصل، مثل "تيك توك" و"فيسبوك" و"إنستغرام"، على المراهقين والقاصرين. ومؤخراً، وقّع حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم على قانون يُلزم هذه الشركات التكنولوجية العملاقة على التأكّد من أنّ منتجاتها الجديدة لن تضر بالقاصرين.
لكن، وبحسب تقرير صادرٍ عن شركة كومون سنس ميديا، يقضي الأطفال الأميركيون وقتاً أطول بكثير في اللعب، مقارنةً بالوقت الذي يقضونه على الشبكات الاجتماعية.
وعلى العكس من الولايات المتّحدة، أخذت الصين إجراءات شديدة الصرامة خلال العام الماضي، وأعلنت منع القاصرين عن استعمال ألعاب الفيديو خلال أيام الدراسة الأسبوعية، مع السماح لهم باللعب لمدة لا تتجاوز الساعة في أيام العطل ونهاية الأسبوع.
ودفع هذا القرار بالمراهقين إلى الانتقال إلى منصات البث المباشر، لمشاهدة أشخاصٍ آخرين يلعبون ألعابهم المفضلة. لكن الحكومة سرعان ما تنبّهت لذلك، وها هي اليوم تخطّط لمنع هذه الفئة العمرية من استعمال منصات البث بعد الساعة 10 مساءً.
وبحسب "نيويورك تايمز"، تهدف الصين من خلال ذلك إلى الحدّ من إدمان الألعاب، بسبب مخاوفها من الأضرار التي قد يلحقها ذلك بالصحة العقلية والتحصيل الأكاديمي.
ويندّد تشي بفرض الحظر الإجباري الصيني، لكنّه يشير إلى اعتقاده بأنّ الأهل في الولايات المتّحدة لا يبذلون جهداً كافياً لحماية أطفالهم من التأثيرات السيئة لألعاب الفيديو.
وكان تشي شريكاً مؤسّساً لشركة تطوير الألعاب "ستورم8" في عام 2009، التي أطلقت أكثر من 50 لعبة على الهواتف المحمولة، وحقّقت أكثر من مليار دولار من المبيعات.
وقبل بيع الشركة عام 2020، كان تشي وفريقه يجرون دراسات تفصيلية لبيانات مستخدمي ألعابهم، بهدف تطوير ألعابٍ جديدة تستهلك أكبر قدرٍ من الوقت والمال من اللاعبين. ببساطة "كان الإدمان على اللعب يعني نجاح الشركة"، بحسب تشي.
ويقدّم المطوّر شرحاً بسيطاً حول كيفية تنمية الإدمان لدى اللاعبين، "إذا أخذنا لعبة "كاندي كراش" كنموذج، نلاحظ أنّ اللاعب يملك 5 "أرواح" في اليوم، بمعنى أنّ بإمكانه الخسارة 5 مرّات، ومن بعدها عليه أن ينتظر حتّى يتم شحن مخزونه مجدداً".
بحسب تشي، فإن ذلك "أمرٌ مقصودٌ من قبل مطوّري الألعاب. في حال السماح للمستخدمين بأن يلعبوا من دون أن يجبرهم شيء على التوقف، فإنّ ذلك قد يدفعهم لقضاء وقتٍ طويلٍ دفعةً واحدةً في اللعب، لكنّه سيصيبهم بالتخمة بعد فترةٍ قصيرةٍ، ويؤدّي إلى مللهم من اللعبة وتخليهم في النهاية عنها".
لذا، تلجأ الشركات إلى طريقةٍ أخرى، وهي منح المستخدم كلّ يومٍ عدداً محدّداً من الفرص يوقف بعدها، لكنّه "سيعود في اليوم التالي لإكمال اللعب. تدريجياً سيؤدّي ذلك إلى نشوء عادة يومية لدى المستخدم الذي يرغب بمواصلة لعبته".
ويكمن الهدف النهائي للشركات بـ"بناء ألعاب تُكوّن عادات تُجبر اللاعبين على العودة كلّ يوم، وتدفعهم مع الوقت إلى استثمار مزيدٍ من المال والوقت في اللعبة".
يقول تشي: "كنا نريد أن يصل اللاعبون إلى مرحلة يقومون فيها من النوم صباحاً للعب، كما يتفقدون منصات التواصل أو البريد الإلكتروني".
ولوقتٍ طويل لم يجد المطوّر مشكلةً في ذلك، بالنسبة إليه آنذاك كانت مهمته إضفاء البهجة على حياة اللاعبين والترفيه عنهم، لكنّ ذلك تغيّر عندما صار أباً لابنتين.
وأدرك تشي أنّه لا يريد لابنتيه التعرّض لخطر إدمان ألعاب الفيديو، خاصةً لأنّه يعرف التقنيات التي تستعملها تطبيقات الألعاب من أجل ذلك، ودفعه ذلك للبحث أكثر عن السبل الممكنة للتخفيف من آثار هذه الألعاب.
وعلى الرغم من وجود جدل بين الباحثين حول وجود إدمان على ألعاب الفيديو من عدمه، إلّا أنّ منظمة الصحة العالمية تعتبر أنّ "اضطراب الألعاب" قد يؤدّي إلى "ضعف كبير في الجوانب الشخصية أو الأسرية أو الاجتماعية أو التعليمية أو المهنية أو غيرها".
بحسب تشي، فإنّ "المكافآت في ألعاب الفيديو تلعب دوراً رئيسياً في خلق السلوك الإدماني. وتحفّز المكافآت أدمغتنا على إطلاق الدوبامين، الذي يخلق شعوراً بالرضا. وبالتالي، تحفّزنا رغبتنا بالمزيد من الدوبامين إلى المزيد من اللعب"، ويشير إلى دراسة استمرت طوال 6 سنوات على لاعبين مراهقين.
وبحسب الدراسة، استمتع معظم هؤلاء باللعب من دون عواقب وخيمةٍ على حياتهم، لكن ظلّت هناك أقليّة، نسبتها 10%، طوّر أفرادها ارتباطاً مرضياً بألعاب الفيديو، وواجهوا صعوبات بالتوقف عن اللعب.
بالمقارنة مع المجموعة الأخرى في الدراسة، أظهر هؤلاء اللاعبون مستويات أعلى من الاكتئاب والعدوانية والخجل والقلق عند وصولهم إلى مرحلة البلوغ.
ويقدّم تشي مجموعة اقتراحات قد تساهم في معالجة أثر ألعاب الفيديو وفي التخفيف من أخطار الإدمان عليها.
ويبدأ الأمر بتدريب الأهل، عبر توعيتهم على التأثير السلبي لألعاب الفيديو التي قد يسمحون لأطفالهم بلعبها. وثانياً، يلعب فهم السلوك القائم دوراً رئيسياً في تغييره، لذا من الضروري قياس عدد الساعات التي يقضيها الأولاد في اللعب، عبر استخدام أدوات مثل "سكرين تايم" أو "غوغل ديجيتال ويلبينغ".
وفي النهاية، بعد تكوين تصوّرٍ واضحٍ عن الوضع، يمكن تحقيق التوازن والعمل مع الأطفال على الوصول إلى فترةٍ مناسبةٍ للعب.
ومع ذلك، لا ينكر تشي حقيقة أنّ التكنولوجيا جزءٌ لا يتجزأ من حياتنا، لكنّ المهم بالنسبة إليه هو "أن نولي صحّتنا الرقمية نفس مقدار الأهمية الذي نوليه لصحتنا البدنية".