قبل أيام، انتهى عرض الجزء الثاني من مسلسل "مقابلة مع السيد آدم"، الذي بدأ عرضه في شهر رمضان. انتهى المسلسل وخلّف الكثير من الأسئلة: هل كانت حكاية المسلسل تستحق أن تمتد على جزءين؟ وهل كانت تستدعي الأحداث الدرامية أن يكون الجزء الثاني طويلاً إلى هذا الحد، ليمتد حتى ما بعد انتهاء شهر رمضان؟ وهل كان الجزء الجديد يستحق الانتظار والتأجيل لمدة ثلاث سنوات؟
عُرض الجزء الأول من "مقابلة مع السيد آدم" عام 2020، وتمحورت القصة حول الطبيب الشرعي آدم (غسان مسعود) وابنته حياة، التي تختطفها عصابة لتجبره على التلاعب بنتيجة تقرير طبي شرعي. وعن غير قصد، تتسبب العصابة بموت الطفلة، ليبدأ آدم رحلة الانتقام، وينفّذ سلسلة من الجرائم المفبركة، ارتكبها ضد كل من ساهم في عمليات الخطف والابتزاز وتزوير التقارير.
انتهى الجزء الأول بطريقة مبهمة وغير مفهومة، من دون أن يحل لغز القضية الجنائية الوحيدة التي انطلق منها، ليتم الإعلان عن جزء ثانٍ كان من المفترض أن يُعرض عام 2021. لكن الجزء الجديد تأخر كثيراً، لأسباب متعددة، أبرزها صعوبة التسويق للعمل الذي طاولته سهام النقد، بعدما استخدم صورة لفتاة قتلت في سجون النظام السوري تحت التعذيب (ظهرت في ملفات قيصر). كذلك أدى انسحاب العديد من الممثلين، (لجين إسماعيل، وضحى الدبس، ويارا قاسم) إلى تأخير إضافي.
هذه التبديلات ساهمت في التشويش على حكاية الجزء الثاني من المسلسل، المرتبكة أساساً، فبدأت بإيقاع بطيء وتداخلت الأحداث فيها بشكل غير منطقي، وكأن المخرج فادي سليم، وشريكه في الكتابة شادي كيوان، قد تقصدا تعقيد الحكاية التي كانت واضحة المعالم بالجزء الأول. ففجأة تخلى المسلسل عن السياق الذي يسير فيه بزمن أحادي، وبدأت المشاهد تتداخل بخطوط زمنية قادمة من الماضي والحاضر والمستقبل، ليضيع المشاهد في زحمة الأحداث غير الجذابة، ويتفاجأ بالتطورات غير المنطقية على الحكاية وشخصيات المسلسل.
واللافت أن المسلسل تغيرت هويته تماماً في الجزء الجديد، فبات يلمع صورة الأمن في سورية بشكل فج ومباشر، حين تحولت الحكاية من قصة قاتل متسلسل إلى حكاية عن بطولات الأفرع الأمنية السورية بمكافحة تجار المخدرات؛ وبدا الأمر أكثر سوءاً في الحلقات الأخيرة، التي عُرضت بعد شهر رمضان، عندما بدأ المسلسل يرسم سردية خاصة عن حكاية تجارة الكبتاغون في سورية، التي توضح أن لا علاقة للنظام السوري بها، بل على العكس فإن أذرع النظام تعمل على مكافحتها، كغيرها من الحكومات.
لكن يبقى الخطأ الأكبر في الجزء الثاني هو التغييرات التي طرأت على شخصية "آدم"، الذي اختفى تماماً لما يزيد عن عشر حلقات في بداية المسلسل، ليعود بعدها بشخصية مغايرة، بتنكرات سخيفة يتنقل فيها في عوالم فقيرة درامياً، ويتجادل مع شخصية متخيلة في الأوقات التي يبقى بها وحيداً. هكذا تم نسف ملامح شخصية "آدم" التي قدمها غسان مسعود بشكل جيد وكانت السبب الأساسي لانتظار الجمهور للجزء الثاني؛ ببساطة دُمرت شخصية "آدم" شكلاً ومضموناً، فهو لم يعد ذات الرجل المتمرد الذي يفقد الثقة في عدالة القانون ويعمل بشكل منفرد للانتقام لابنته، بل بات شبح الشخصية الغائبة الحاضرة، الشخصية التي باتت أكثر ميلاً للطاعة التي هُيئت لخدمة البروباغندا التي حلت مكان الحكاية الدرامية.
ومع انتهاء الجزء الثاني، عبّر الكثير من المتابعين عن استيائهم من الجزء الجديد، الذي لا يرتقي لسوية الجزء الأول. الأمر الذي دفع مخرج العمل، فادي سليم، للخروج عبر إذاعة "شام أف أم" بتصريحات غريبة قائلاً إن من فضّل الجزء الأول على الثاني هو الجمهور البسيط الذي استسهل التفكير، لأن الجرائم والحبكة واضحة وسهلة في الجزء الأول، وهي معقدة في الجزء الثاني. وبدا وكأنه يتحدّى الجمهور، فأعلن في نفس المقابلة عن استعداده لتصوير جزء ثالث من المسلسل إذا وافقت قناة العرض.