يتجسد عبق التاريخ في الجدران العتيقة لمقام إبراهيم الخليل، في بلدة عبسان الكبيرة، الواقعة في المنطقة الشرقية إلى الجنوب الشرقي من مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، الذي تميز بدِقة معماره التراثي الإسلامي القديم.
ويعود بناء المقام، والذي يشتهر بين أهالي البلدة باسم مقام إبراهيم الخليل إلى القرن الميلادي الخامس. ويضم العديد من الزوايا المتنوعة، ما بين تكايا الطعام والأضرحة وأرض الفسيفساء، والتي شكلت بمجموعها إرثًا تراثيًا وأثريًا، حَرّك جهات أكاديمية لإعادة ترميمه، والحفاظ عليه، بعد أن تعرض لظروف إهمال، أثرت على الملامح العامة فيه.
ويحتوي مقام إبراهيم الخليل على العديد من المرافق، ومنها تكية لتوزيع الطعام على الفقراء، وقبور وأضرحة تعود إلى العصر الروماني، في تنوع معماري يدلل على أن فلسطين، وبمختلف بلداتها ومدنها وقراها، غنية بالمواقع الأثرية الشاهدة على وجود العديد من الحضارات على أرض فلسطين. ويشتمل مقام إبراهيم، المُسجل على لوائح الـ "يونسكو" في قائمة مواقع التراث العالمي في فلسطين، على أرضية فسيفساء ذات ألوان خلابة يرجع تاريخ بنائها إلى عام 606 ميلادي، وتتميز بالرسوم المتنوعة ما بين الطيور وأوراق النباتات واللفائف الزخرفية والكتابات وزخرفة الصليب المعقوف "المفروكة".
وكان الموقع بيتاً لأحد القديسين في العهد البيزنطي، ولما توفي تم دفنه في البيت وأُقيمت الفسيفساء حوله وتحول إلى ضريح. وفي العصر العثماني، تمت تسميته "مقام إبراهيم الخليل". كما يحتوي الموقع من الجهة الشمالية على مساحة صغيرة مكشوفة تحتوي قبوراً إسلامية وأخرى بيزنطية، وقد أصبح مكاناً مقدساً لدى المسلمين.
وكغيره من المواقع الأثرية، تعرض مقام إبراهيم الخليل إلى الإهمال والهجر، اللذين أدّيا إلى عدة أضرار في الموقع، من بينها غياب الموقع من ذاكرة الأجيال وضعف الوعي المجتمعي به وتهتك أرضية الفسيفساء وانفصال طبقاتها وتشكل طبقة كثيفة من الأتربة والغبار فوقها وانهيار الحجارة الأثرية التي تحتضن أرضية الفسيفساء، وتهتك حجارة القبور الأثرية ونمو أعشاب كثيفة حولها. ويحمل الموقع الأثري قيمة أثرية عالية؛ نظراً لاحتوائه على أرضية فسيفساء بيزنطية تنتمي إلى مدرسة الفسيفساء البيزنطية المحلية في جنوب فلسطين، وتشابهت مع أرضيات فسيفساء كل من كنسية "مخيتم" وكنيسة القديس "هيلاريون" وأرضية "أصلان" وأرضية دير البلح.
وتقول مديرة العلاقات العامة والإعلام في بلدية عبسان الكبيرة، إيمان أبو حسن، إن سبب تسمية المقام باسم مقام إبراهيم الخليل هو "مرور سيدنا إبراهيم عليه السلام في رحلته لمدينة الخليل ما أكسب المكان طابعاً معنوياً وروحياً يتبارك فيه الأهالي"، وتبين أبو حسن لـ"العربي الجديد" أن المقام بما يضمه من محتويات، يعود للعصر البيزنطي، ويضم عدداً من القبور والأضرحة، وقد تم استحداث تكية عام 2017، في الناحية الجنوبية منه، لتقديم الطعام للأسر الفقيرة خلال العام وبشكل يومي في شهر رمضان.