لا يستقلّ سوى قلة من الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة طائرات هذه الأيام، لا يوجد في المنطقة مطار مدني، ويجب على أولئك الذين يستطيعون تحمّل تكلفة تذاكر الطيران اللحاق برحلاتهم في الأردن المجاور. لكن خارج مدينة نابلس في الشمال، هناك توأمان يقدمان للسكان خدمة استثنائية. فقد حوّل خميس الصيرفي وشقيقه، عطا، طائرة قديمة من طراز "بوينغ 707" إلى مقهى ومطعم، حيث يتناول الزبائن وجباتهم وشرابهم على متنها. يقول خميس: "تسعة وتسعون بالمائة من الفلسطينيين لم يصعدوا قط على متن طائرات في حياتهم. يستخدمها فقط السفراء والدبلوماسيون والوزراء ورؤساء البلديات. الآن بات بإمكانهم أن يروا طائرة، وهذا شيء كبير بالنسبة إليهم".
بعد ربع قرن من الجهود، افتتح الأخوان "مطعم وكوفي شوب الخطوط الجوية الفلسطينية الأردنية الصيرفي نابلس" في الحادي والعشرين من يوليو/ تموز الماضي. حضر أفراد عائلتهم، وبعض الأصدقاء لتناول المشروبات في المقهى الواقع أسفل جسم الطائرة. جاء كثيرون آخرون لالتقاط صور تذكارية داخل الطائرة مقابل 5 شيكل (حوالى 1.50 دولار) للفرد. يقول الزبائن إنهم تحمسوا للزيارة بعد مشاهدة صور الطائرة التي جددها الأخوان على الإنترنت. يقول مجدي خالد، أحد الزبائن: "منذ فترة طويلة، كنت أرغب في رؤية هذا المكان. كنت أتمنى لو رأيت هذا المكان قبل أن يتحول إلى مقهى".
استخدمت دولة الاحتلال الإسرائيلي الطائرة في الفترة بين 1961 و1993 واستقلّها رئيس الوزراء آنذاك مناحيم بيغن إلى الولايات المتحدة
قبعت الطائرة النفاثة لسنوات على طول طريق سريع رئيسي في شمال الضفة الغربية، الأمر الذي خلق حالة لا نهاية لها من الجدل بين المارة الذين يشعرون بالحيرة من وجود هذه الطائرة الضخمة. ولد حلم الشقيقان، البالغان من العمر ستين عاماً، في تحويل الطائرة إلى مقهى ومطعم في أواخر تسعينيات القرن الماضي، عندما شاهد خميس طائرة البوينغ المهجورة بالقرب من مدينة صفد شماليّ دولة الاحتلال. وكان للطائرة تاريخ لامع في ذلك الوقت.
استخدمت دولة الاحتلال الإسرائيلي الطائرة في الفترة من عام 1961 إلى 1993 واستقلّها رئيس الوزراء آنذاك مناحيم بيغن إلى الولايات المتحدة في عام 1978 لتوقيع اتفاقية السلام التاريخية بين إسرائيل ومصر، حسبما ذكرت القناة 12 التلفزيونية الإسرائيلية. قالت القناة إن ثلاثة شركاء تجاريين إسرائيليين اشتروها في وقت لاحق، وكانوا يحلمون بتحويلها إلى مطعم، لكنهم تخلوا عن المشروع بعد خلافات مع السلطات المحلية. بعد تعقب أحد المالكين، تمكن الأخوان من شرائها مقابل 100 ألف دولار في عام 1999. أنفقا 50 ألف دولار إضافية على التراخيص، والتصاريح، وعملية نقلها إلى الضفة الغربية.
قال خميس إن رئيس بلدية نابلس آنذاك، غسان الشكعة، وافق بسرعة على نقل الطائرة وتجديدها. استغرقت عملية نقل الطائرة إلى نابلس 13 ساعة، وتطلبت تفكيك الأجنحة، وإغلاق الطرق مؤقتاً في كيان الاحتلال والضفة الغربية. كان الإسرائيليون والفلسطينيون منخرطين في ذلك الوقت في محادثات سلام، وكان التنقل ذهاباً وإياباً سهلاً نسبياً. كان الأخوان الصيرفي تاجرين ناجحين في مجال الخردة. سافرا بانتظام من دولة الاحتلال وإليها لشراء قطع معدنية قاما بصهرها وبيعها في الضفة الغربية. وامتلكا أيضاً شركة ناجحة للتخلص من النفايات، واستخدما أرباحهما لبناء مدينة ملاهٍ - تضمنت مسبحاً وقاعة للحفلات الموسيقية - على قطعة الأرض نفسها التي نقلا إليها الطائرة.
استغرقت عملية نقل الطائرة إلى نابلس 13 ساعة، وتطلبت تفكيك الأجنحة، وإغلاق الطرق مؤقتاً
لكنهما قالا إن مشروعهما توقف بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في أواخر عام 2000. قالا إن نقطة تفتيش عسكرية إسرائيلية تمركزت بالقرب من الملاهي، ما منع سكان مدينة نابلس المجاورة من الوصول. بقيت نقطة التفتيش ثلاث سنوات، وسيطر الجيش الإسرائيلي عليها، ومن ثم انهار المشروع. وقال عطا الصيرفي: "لقد نصبوا خياماً تحت جناحي الطائرة". ولم يرد الجيش الإسرائيلي على مكالمات أسوشييتد برس لطلب للتعليق. جرى التخلي عن الطائرة والموقع منذ قرابة عشرين عاماً".
بعد أن تلاشت الانتفاضة في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأ الشقيقان بالعمل في مجال التخلص من النفايات، وافتتحا مدينة ملاهٍ صغيرة في نابلس عام 2007. بعد أكثر من عقد، قررا عام 2020 البدء بتجديد الطائرة. وأضرّت أزمة فيروس كورونا، التي تضمنت عدة عمليات إغلاق، بالاقتصاد الفلسطيني بشدة، وسبّبت مزيداً من التأخير. بعد أشهر من العمل، أصبحت الطائرة جاهزة تقريباً للخدمة الكاملة. طلى الشقيقان الطائرة من الداخل، وباتت مجهزة بالكهرباء، وتسع طاولات، وأبواب متصلة بممرين قديمين، ما يسمح للزبائن بالصعود بأمان. وطُليَت مقدمة الطائرة بألوان العلم الفلسطيني، والذيل بألوان علم الأردن.
(أسوشييتد برس، العربي الجديد)