مكتبة الروائح... التاريخ في زجاجة عطر

14 اغسطس 2024
أعاد الباحثون إنشاء رائحة لوحة Lady With an Ermine لدافنشي (شون غالوب/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **أهمية الروائح في الذكريات ومشروع "أودوتيكا"**: الروائح تساعد في استعادة الذكريات المرتبطة بالأماكن والأشياء. مشروع "أودوتيكا" يهدف لإنشاء مكتبة للروائح بالتعاون بين باحثين من بولندا وسلوفينيا والمتاحف الوطنية.

- **التقنيات المستخدمة وأول تجربة ناجحة**: يعتمد المشروع على تقنيات متقدمة لفصل وتصنيف المركبات الكيميائية للرائحة. أول تجربة ناجحة كانت إعادة خلق رائحة لوحة "Lady With an Ermine" لليوناردو دافنشي.

- **الفوائد المستقبلية والتطبيقات العملية**: المشروع يتيح استكشاف الأعمال الفنية والأشياء التاريخية بطرق جديدة، ويعزز من قيمته كأداة تعليمية وثقافية، خاصة للزوار المكفوفين.

تمثل الروائح جانباً مهماً من ذكرياتنا وعلاقتنا بالأشياء والأماكن، وقد نرغب مثلاً في استعادة رائحة الأماكن المرتبطة بذكرى مميزة لنا، أو استدعاء روائح الأشياء العزيزة التي افتقدناها. هذه التجارب الحسية التي تمثل الرائحة جانباً منها، سيكون من السهل استعادتها في المستقبل بسهولة، أو هكذا يزعم مؤسسو مشروع "أودوتيكا" (Odotheka)، وهو أول مكتبة للروائح في العالم.

في يونيو/حزيران الماضي، عُقد مؤتمر صحافي في المتحف الوطني في مدينة كراكوف البولندية، لعرض نتائج البحث المتعلقة بمشروع مكتبة الروائح، وهو مشروع مُشترك لمجموعة من الباحثين من بولندا وسلوفينيا، بالتعاون مع المتاحف الوطنية في كلا البلدين. مشروع مكتبة الروائح، أو Odotheka، سيكون أول مكتبة في العالم لروائح الأشياء والأماكن التاريخية.

يقول توماس ساوزكزوك (Tomasz Sawoszczuk) الباحث الرئيسي للمشروع في جامعة كراكوف البولندية إن مشروع مكتبة الروائح يشبه المتحف إلى حد كبير، لكنه لن يكون متحفاً تقليدياً. يضيف ساوزكزوك إن هذا المتحف قائم على جمع كل ما يتعلق برائحة الأشياء حتى يُمكن تحضيرها بسهولة. يعتمد المشروع على السياق التاريخي الكامل للأشياء ذات القيمة التاريخية والتراثية، كالمنشأ أو أساليب الحفظ وطريقة العرض. في مكتبة الروائح، سيتمكن الباحثون من التعرف إلى المركبات الكيميائية التي يجب خلطها للحصول على رائحة معينة.

كان أول عمل من مجموعة المتحف الوطني في كراكوف قد فُحص بالفعل هو لوحة ليوناردو دافنشي الشهيرة Lady With an Ermine التي أعاد الباحثون إنشاء رائحتها. وصل الباحثون إلى رائحة مماثلة لرائحة هذه اللوحة الشهيرة عن طريق أخذ عينات من سطحها وإطارها وجميع المكونات المحيطة بها. وباستخدام معدات قياس مُتقدمة، تمكن هؤلاء الباحثون من فصل المركبات التي تتكون منها الرائحة وتصنيفها. فكيف كانت رائحة هذه اللوحة التي رسمها دافنشي في نهاية القرن الخامس عشر؟

يقول توماس ساوزكزوك إنّ رائحة اللوحة لا تختلف كثيراً عن الرائحة التي تشعر بها داخل المتحف، ويشكلها مزيج من العناصر. لوحة دافنشي تحديداً تميزت برائحة خشب الجوز الذي استخدمه الفنان قاعدة للرسم، إلى جانب رائحة مركبات الألوان الزيتية والورنيش، ومواد الحفظ والترميم المختلفة.

هذه اللوحة التي رسمها دافنشي في نهاية القرن الخامس عشر، كانت سبباً رئيسياً في بدء هذا المشروع كما يقول ساوزكزوك، فحين طلب منه المتحف الوطني في كراكوف تقييم جودة الهواء داخل الغلاف الزجاجي الذي يضم اللوحة، فوجئ الباحث البولندي أثناء العمل، بكثافة الرائحة المميزة داخل الإطار المُغلق، ومن هنا جائته الفكرة. عمل الباحث على هذا المشروع منذ عام 2021، ومن المنتظر الانتهاء منه في العام المُقبل.

يعمل فريق ساوزكزوك حالياً على إعادة خلق روائح تسعة أشياء أخرى ذات أهمية كبيرة للتراث البولندي والسلوفيني. تشمل هذه الأشياء علبة سجائر تعود إلى فرانك بريسيرين، الشاعر الوطني السلوفيني، ومجموعة من اللوحات الفنية المهمة.

قد يرى بعضهم أن الروائح المنبعثة من الأماكن والأشياء ليست ذات أهمية، غير أن القائمين على المشروع يرون عكس ذلك، فرائحة الأشياء التاريخية قد تحمل كثيراً من الفوائد. أمينة المتحف الوطني في كراكوف، إليزابيتا زيجير، تصف هذا المشروع بأنه رائد وخلاق، فبفضله سيتمكن زوار المتاحف من استكشاف رائحة الأعمال الفنية والأشياء التاريخية بطريقة جديدة. وترى أن هذه الرائحة التي يمكن رشها بالقرب من المعروضات، قد تكون عامل جذب إضافي للزوار المكفوفين، وهو أحد محاور البحث الذي يعملون عليه حالياً.

في تقديمه لمشروع مكتبة الروائح، يقول توماس ساوزكزوك إنهم لا يهدفون إلى قياس أو إعادة إنشاء الرائحة الأصلية للأشياء، فكلها أشياء تحمل تاريخها الخاص، وقد تطورت رائحتها بلا شك مع الزمن اعتماداً على ما تعرضت له أو تبعاً للأماكن التي خُزنت بها. لهذا، يرى الباحث البولندي أن تتبع رائحة هذه الأشياء هو في الحقيقة تتبع لتاريخها وعلاقتها بمحيطها.

المساهمون