لطالما استقبلت الدراما السورية فنانين كثيرين من مشارب مختلفة؛ بعضهم من خلفية أكاديمية تصدروا المشهد بنجومية اتسمت بأداء محترف، والبعض وصل إلى الشهرة بدعم من أحد أقربائه، أو فرصة ثمينة جعلت منه نجماً.
إلا أن مهنة التمثيل في سورية، والتي تعد الأكثر شهرة من باقي الفنون، دفعت بعضاً من النجوم إلى البحث عن سوية معينة من الأدوار. وحين غابت تلك الاختيارات المميزة، بدأ الممثلون يبحثون عن ملاعب أخرى للعمل. هم لم يبتعدوا عن المهنة بإطارها العام، ولكنهم تحولوا إلى صنّاع لها في مكان آخر، بين تجربة أثمرت، وأخرى فشلت ولم تلق النجاح المتوقع.
قصي خولي
منذ بداية عمله في الدراما، لفت المشروع الفني الممثل السوري قصي خولي، فقدّم في بدايته فيلماً قصيراً من تأليفه وإخراجه، حمل اسم "سيناريو". ورغم أنّ الفيلم صامت بالكامل، لكن خولي عمدَ إلى الترويج للفيلم بشكل كبير، عبر الحديث عنه في كافة المقابلات الصحافية والحوارات التلفزيونية.
ابتعد بعدها قصي عن الكتابة والإخراج، ليعود قبل عام بمشروع منصة رقمية تساعد الكتاب الشباب في إنتاج نصوص درامية، فأعلن عن مسلسل "الوسم"، والذي سيجري تصويره قريباً في عدة دول عربية وأجنبية. المسلسل من تأليف بسيم الريس، في حين وضع خولي اسمه كمشرف عام على المسلسل وشريك في السيناريو ومدير للورشة، وهذا ما سيحمّل خولي مسؤولية الانتقال من موقع الممثل إلى موقع الكاتب والمشرف خاصةً أنّ العمل من بطولته أيضاً.
مكسيم خليل
حظي الفنان السوري مكسيم خليل بمجموعة من الأدوار المميزة والنافرة داخل سورية وخارجها، وتمكن من صناعة نجومية متصاعدة، وصل أثرها إلى العالم العربي، وتحدثت عن فنان متمكن من اللعب في كافة صنوف الدراما.
إلا أنّ مكسيم يبدو مستعداً لخوض تجربة الإخراج التلفزيوني للمرة الأولى، عبر مسلسل قصير يحمل اسم "بيت الممسوك" ويدور حول بيت مهجور تسكنه الأرواح، عن نص للكاتب زهير الملا، ومن إنتاج شركة "فالكون فيلمز"، في ثاني تعاون مع مكسيم بعد مسلسل 8 Days.
والمجازفة في المسلسل تأتي من كون مكسيم لا يتبنى المشروع كمخرج فقط، بل يؤدي دور البطولة، وهذا ما سيضاعف صعوبة المهمة في كونه ممثلا ومخرجا في آن معاً.
سلاف فواخرجي
اختارت الفنانة السورية سلاف فواخرجي، وسط الإقصاء الذي تعرضت له بسبب مواقفها الداعمة للنظام السوري، إلى البحث عن وسيلة ترويجية أخرى، وكان لها أن اختارت إخراج فيلم سينمائي حمل اسم "رسائل الكرز" وجمعت في بطولته كلا من الفنانين السوريين دانا مارديني ومحمود نصر.
وعلى الرغم من ضعف تسويق السينما السورية وعدم وجود صالات كثيرة للعرض، إلا أنّ الفيلم الذي يتحدث عن الجولان المحتل وصل إلى مهرجان سينمائي في الهند ونال تكريماً هناك، ما دفع فواخرجي للتفكير بإخراج فيلم ثان يحمل اسم "مدد"، والبحث عن تمويل عنه منذ عدة سنوات حتى الآن.
باسم ياخور
قبل دخوله مجال اليوتيوب وتقديم البرامج، اختار الفنان السوري باسم ياخور خوض تجربة الإخراج لمرة واحدة، وذلك عبر مسلسل سيت كوم حمل اسم "هومي هون". وحظي المسلسل منذ عرضه قبل 15 عاماً ولليوم بتفاعل كبير لدى الجمهور، ومن ثم في منصات التواصل الاجتماعي؛ فما زال الجمهور يتذكر الشخصيات الساخرة التي قدمها المسلسل، وحديثه عن انهيار الطبقة الأرستقراطية في دمشق، وعيشها على أطلال الماضي، لتحسب لياخور هذه التجربة التي صنعت ملمحاً فريداً في الإنتاجات الكوميدية السورية، وعدم ظهوره في سياق العمل، سوى كضيف شرف في إحدى الحلقات.
رافي وهبي ورامي حنا وإياد أبو الشامات
تشكل الأسماء الثلاثة السابقة حالة خاصة من انتقال الفنانين السوريين من موقع التمثيل إلى الكتابة والإخراج، فرافي المحترف أكاديمياً في التمثيل، وجد نفسه أقرب للكتابة، وقدّم أعمالا مهمة مثل "حارة عالهوا"، من تأليفه وإخراجه، ومن ثم "حلاوة روح" و"سنعود بعد قليل" و"العراب نادي الشرق" كتأليف فقط، بتوقيع كبار المخرجين، كالراحلين حاتم علي وشوقي الماجري، والمخرج الليث حجو. كما تمكن وهبي من تقديم تجربة رقمية سبقت اقتحام المنصات لسوق العرض الدرامي حملت اسم "بدون قيد"، بتوقيع المخرج اللبناني أمين درة.
أما شراكة رامي حنا وإياد أبو الشامات؛ فحققت نتائجها ضمن مسلسل "غداً نلتقي"، بعدما كان رامي قد ترك بصمة فعلية في الإخراج ضمن مسلسلات "عنترة"، "زهرة النرجس"، و"روبي". وجاء "غداً نلتقي" لينقل أبو الشامات إلى موقع الكاتب المحترف، فقدّم بعدها سيناريو مسلسل "أوركيديا"، وشارك في ورشة مسلسل "سفربرلك"، وأعطى للدراما المشتركة نص مسلسل "من الآخر". أما حنا فتابع عمله كمخرج في نطاق الدراما المشتركة؛ فقدّم "تانغو" و"الكاتب"، وأخيراً مسلسلا قصيرا يحمل اسم "البريئة".
أمل عرفة
رغم أنّ الفنانة السورية أمل عرفة كانت الأقرب إلى نموذج النجم صاحب المشروع في الدراما السورية، إلا أنها سارت في طريق الكتابة إلى جانب التمثيل لتقديم مسلسلات تتناسب مع شخصيتها، وتتضمن مشاهد غنائية، فنجحت معها التجربة بمشاركتها ضمن ورشة الموسم الأول لمسلسل "دنيا"، وحصدت تفاعلاً واسعاً في مسلسل "عشتار"، قبل أن يبدأ مشروعها بالروتين ثم التدهور بدءاً من "رفة عين" ثم "دنيا 2"، وليس انتهاءً بمسلسل "سايكو" الذي تعرضت بسببه عرفة إلى نقد كبير.
بذلك يبدو المشروع الدرامي في الكتابة والإخراج لدى الفنان السوري فرصة للتجريب أكثر من الاقتناع بماهية هذا الدور الأساسي في الصناعة الفنية، فإذا ما نجحت التجربة فسيكون للممثل فرصة للعمل أكثر وبالتالي وضع مادي أكثر استقراراً من جهة ومجالاً لجذب المشروع لصالح الفنان نفسه بحيث يتمكن ككاتب أو مخرج من زيادة مساحة دوره أو تقديم نفسه بطريقة غير مكررة، ولكن هل يعي الممثلون أن عليهم قبل الدخول في تجربة كهذه خلع رداء صورتهم كممثلين والذهاب في ماهية الكتابة والإخراج حتى النفَس الأخير؟!