يعيش الفنانون السوريون الذين اختاروا أو أجبروا على البقاء داخل سورية أزمات عدة، مرتبط أغلبها بالأزمة المعيشية الخانقة.
وبعيداً عن معظم نجوم الصف الأول الذين عرفوا كيف يستفيدوا من قربهم من النظام لتحقيق مكاسب مالية وفنية قبل 2011 وبعدها، يبرز على الضفة الأخرى مئات الفنانين الغارقين بالديون، والباحثين عن أي فرصة عمل مقابل أي أجر.
يقول أحد الفنانين الذي عرف النجومية خلال السنوات السابقة، متحفظاً على ذكر اسمه، إنّه يعمل الآن في مجال الدوبلاج، حاله حال معظم زملائه الذين يسيرون بالاتجاه نفسه بعد الشح في الإنتاج الدرامي، واقتصار الأعمال الدرامية التي تنتج للسباق الرمضاني على مجموعة محددة من الممثلين والفنانين التابعين لشركة إنتاج واحدة، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن الشللية في الفن معروفة منذ عقود، لكن الذي يحصل في سورية أمر غريب عجيب يستند إلى المعرفة والتنازلات وإلى الموقف السياسي. ويضيف الفنان الذي تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية، أنه يشترك في أعمال درامية كضيف، لكنّ الجمهور لا ينساه، وقد سافر إلى لبنان لتمثيل مشاهد في أعمال مشتركة من أجل الحصول على المال فقط، ويقول: "أكثر من مرة قبلت الدور الذي عرض عليّ في هذه الأعمال من دون أن أقرأه".
أسماء عدة حفظها الجمهور السوري عن ظهر قلب اختفت عن الشاشة، أو ظهرت كضيوف شرف على الرغم من أنها لم تغادر سورية وليس لها موقف سياسي واضح من الأحداث، خصوصاً كبار السن الذين قبعوا في بيوتهم منتظرين الحسنات من زملائهم من الصف الأول.
ويضرب الفنان أمثلة عن الغائبين، مثل أسعد فضة، ورضوان عقيلي، وسليم صبري، وثناء دبسي، وحنان شقير، وغيرهم كثيرون، منتقداً دور نقابة الفنانين التابعة للنظام التي تقيم حفلات الانتصار وتجذب الفنانين العرب بأسعار خيالية، ويؤكد أن النقابة تتلقى أموالاً ضخمة لكنها تمنعها عن الفنانين، وتخصص راتباً شهرياً تقاعدياً لا يشتري "كرتونة" بيض.
أمام هذا الواقع، يسعى غالبية الفنانين السوريين للحصول على عقد عمل في شركات الإنتاج العربية التي فتحت الطريق لأعمال مشتركة أبطالها معظم الأحيان فنانون سوريون من الجنسين. وبحسب فنانة شابة (خريجة المعهد العالي)، فإن لهذه الخطوات شروطاً أيضاً، من ضمنها العلاقات مع شركة الإنتاج والمخرجين والفنانين الذين يقومون بدور البطولة. وتلفت الممثلة إلى أن أغلب هذه الأدوار تأتي من شركات لبنانية لسهولة السفر إلى لبنان، أو لأن العمل يمكن تصويره في سورية ويحتاج لكادر كبير، وأضافت أن أحد أهم المسلسلات السورية التي عرضت في شهر رمضان على سبيل المثال كان من إنتاج لبناني، لكنّ معظم الممثلين الصاعدين نالوا جزءاً صغيراً من المبالغ المتفق عليها في العقود ولم يصرحوا بذلك حتى لا تضيع عليهم فرص أخرى.
الفرص الأخرى المتاحة أمام الفنانين السوريين هي البرامج اللبنانية التي يعطي منتجوها أموالاً بالدولار على الرغم من الفضائح التي تنتجها هذه البرامج والخلافات التي تمتد لأشهر بين الفنانين أنفسهم... فمع ذلك يحلّ الفنان ضيفاً عليها طالما أنّ هناك مالاً متوفراً.