ما هي مشكلة بعض مسلسلات الدراما الرمضانية؟ إنها الورق، وهو جواب سمعته في تسعينيات القرن الماضي من صلاح أبو سيف، عندما أجريت حواراً طويلاً معه. لم يكن أبو سيف يتحدث عن القصة، وقد تكون رواية مكتوبة أو نصاً أُعد للسينما فقط، بل عن السيناريو، فعندما يكون الورق جيداً، يكون العمل الدرامي كذلك، وإلا فالحشو وغياب التطور الدرامي الذي يسير غالباً في خطوط متوازية قبل أن تتقاطع المصائر والأحداث وتنتج ذرواتها التي قد تكون صغيرة لكن حاسمة في مسار الأحداث.
من أجل ذلك ربما، لجأ أبو سيف في بداياته إلى نجيب محفوظ في عام 1947، وطلب منه كتابة قصة وسيناريو فيلم "عنتر وعبلة". ظن محفوظ أن مهمته تنحصر في كتابة القصة، فكان يكتب بضع صفحات ويتناقش فيها مع أبو سيف الذي كان يثني على كتابته. ورغم ذلك، يقول له إننا لم نبدأ بعد، فالمطلوب هو تحويل القصة إلى سيناريو. ولما كان نجيب محفوظ لا يعرف هذه الأمور، فقد بدأ أبو سيف بتعليمه كيفية تقسيم المناظر أو المشاهد وكتابة الحوار الذي ينسجم مع المشهد وطبيعة الشخوص، وهي عملية أكثر تعقيداً من كتابة القصة.
ومن الطريف أن نعلم أن محفوظ لم يكتب سيناريوهات لأي من رواياته، وإنْ لم يجد حرجاً قط في كتابة السيناريوهات لأفلام مأخوذة عن روايات زملائه، مثل إحسان عبد القدوس، وربما كانت هذه علامة على احتراف الرجل، ومعرفته بشكل غريزي إذا شئت بالفروق الحاسمة بين القصة الأصلية والسيناريو المأخوذ عنها، ولتقسيم الأدوار في صناعة السينما، حيث للمخرج القول الفصل في الشطب والإضافة والتعديل، وهو ما لم يكن ليحتمله ربما لو قام هو بكتابة أي من السيناريوهات المأخوذة عن رواياته.
في "النار بالنار" وهو دراما مختلطة، سورية لبنانية، من إخراج محمد عبد العزيز وتأليف رامي كوسا، يبدو أن ثمة صراعاً نشب بين المؤلف والمخرج، ما اضطر الأخير إلى الاستعانة بورشة لإعادة كتابة القصة والسيناريو، فأُضيفت أحداث وحوارات وحُذفت أخرى.
ومع بدء بث المسلسل، سارع الكاتب رامي كوسا، إلى تذكير المشاهدين بذلك، فهذا المشهد أو الحوار كُتب على هذا النحو وليس كما ظهر في المسلسل. ووجد الكاتب من يتعاطف معه، بخاصة أن ثمة ترهلاً في "سرد" الأحداث ومساحة أكبر لأدوار بعض الممثلين، وتسرعاً في بناء بعض الشخصيات يجعل تغيّرها يفتقر إلى المنطق، وهذا صحيح ولكن ليس بالمطلق، فالمخرج هو صاحب العمل في آخر الأمر، وعمله ليس ترجمة حرفية للورق بالصورة والكاميرا، بل أبعد من ذلك، فقد يجد أن البناء الدرامي يقتضي التوسع في دور أو إضافة حدث غير موجود في القصة الأصلية، فيضيف أو يحذف بالتعاون مع الكاتب، وأظن أن هذا أمر معروف وإن كان محفوفاً ببعض المخاطر، ومنها الانسياق أحياناً أكثر مما ينبغي لرغبات الجهات المنتجة أو نفوذ بعض النجوم، فيجرى تجاوز "الورق" لزيادة مساحة هذا الدور أو ذاك، ومط الأحداث لإنتاج جزء ثان من العمل الدرامي.
يحدث هذا للأسف من دون انتباه لبناء الشخصيات، فبعضها يواصل الظهور رغم أن وظيفته الدرامية انتهت، وهو ما نجده في"النار بالنار" فكثير من المشاهد كان بالإمكان اختصارها ليظل البناء الدرامي متماسكاً، وهناك شخصيات أخذت مساحة أكبر مما ينبغي، ورغم ذلك فإن العمل يتميّز بواقعيته الخشنة، ويتناول موضوعاً حساساً وغنياً بالدراما المصاحبة لكل تفاصيله، لكن شهوة الثلاثين حلقة أو الجزء الثاني أضرت به، وكان يمكنه أن يكون واحداً من أفضل مسلسلات هذا الموسم من دراما رمضان.