في 25 ديسمبر/ كانون الأول عام 2021، أُطلق تلسكوب جيمس ويب الفضائي من غويانا الفرنسية على الساحل الشمالي الشرقي لأميركا الجنوبية. آنذاك، قال مدير وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) إنّ التلسكوب الجديد "سيعطينا فهماً أفضل لكوننا ومكاننا فيه".
ومنذ يوليو/ تمّوز هذا العام، بدأت "ناسا" بالكشف عن عشرات الصور شديدة الوضوح لمجرات ونجوم وكواكب مختلفة، التقطها التلسكوب الجديد، ومن المتوقع أن تساعد العلماء على اكتشاف المزيد عن الكون الذي نعيش فيه.
تعاونت وكالتا الفضاء الأوروبية والكندية مع "ناسا" في العمل على صنع "جيمس ويب"، الأمر الذي استغرق أكثر من 20 عاماً وكلّف ما يزيد على 10 مليارات دولار أميركي، بمشاركة آلاف التقنيين والمهندسين والعاملين.
من بين هؤلاء، تبرز باحثة الفيزياء الفلكية المصرية مريم هيثم عصمت، التي شاركت في العمل على المشروع لمدّة 6 أشهر.
"تجربة خيالية"
في حديثٍ مع موقع فوربس الشرق الأوسط، في 6 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، أشارت عصمت إلى انضمامها إلى فريق العمل على "جيمس ويب"، في الفترة ما بين يونيو/ حزيران 2019 ويناير/ كانون الثاني 2020، في إطار دراستها للحصول على البكالوريوس في الفيزياء الفلكية.
قالت: "لم أكن أعتقد أنّني سأحظى بفرصة العمل على (مشروع) التلسكوب"، وأضافت: "كان أمراً خيالياً"، مشيرةً إلى أنّها بكت عند اكتمال العمل.
وبحسب "فوربس"، شاركت عصمت في العمل على كاميرا الأشعة تحت الحمراء القريبة. ترصد هذه الكاميرا الموجات الكهرومغناطيسية القادمة من الفضاء، إضافة إلى الكواكب الموجودة خارج مجموعتنا الشمسية.
اليوم، وبعد مرور عامين على نهاية عملها على مشروع "جيمس ويب"، تعمل عصمت مساعدة باحث في جامعة جونز هوبكنز، كما تواصل دراستها للحصول على درجة الدكتوراه في الفيزياء الفلكية.
وفي إبريل/ نيسان الماضي، انضمت إلى برنامج الزمالة الدولية للبحوث، التابع للرابطة الأميركية للنساء الجامعيات، والذي يموّل بحثها المقبل.
الدراسة في أميركا
وُلدت الباحثة الشابة في محافظة الجيزة المصرية عام 1998، وبدأ اهتمامها بالفيزياء والفيزياء الفلكية يتطوّر أثناء دراستها الثانوية. مع ذلك، لم تكن تتخيّل أن تعمل في هذا المجال، وكانت تحلم بأن تصير كاتبة.
بعد التخرّج من المدرسة، التحقت عصمت بكليّة لايكومينغ كولدج في بنسلفانيا الأميركية لدراسة الفيزياء الفلكية، إضافةً إلى الكتابة الإبداعية. في عامها الثاني، شاركت في تأسيس مرصد فلكي لاسلكي في الكلية، وفي نهاية العام نفسه، تلقّت عرضاً للتدريب في معهد علوم التلسكوب الفضائي للعمل على تلسكوب "جيمس ويب".
إضافةً إلى ذلك، قادت خلال دراستها فرع جمعية طلاب الفيزياء في الجامعة، وقدّمت بعد تخرّجها الكثير من المحاضرات حول العلوم والآداب في جامعات داخل الولايات المتحدة وخارجها، مثل الجامعة الأميركية في القاهرة.
أمّا اليوم، فهي تتخصّص في دراسة "المادة المظلمة" في جامعة جونز هوبكنز كمساعدة باحث. وقالت لـ"فوربس": "أحب حقّاً ما أفعله. وأقدر كل الدعم الذي حصلت عليه". وأضافت: "أعتقد أنّ ما يفعله المجتمع العلمي رائع للغاية، وأريد فقط أن أسهم فيه بقدر ما أستطيع".
بين الكتابة والفلك
على الرغم من تخصيصها وقتاً كبيراً للفيزياء الفلكية، فإنّ عصمت لم تتخل عن أحلامها بأن تصير كاتبة. ففي عام 2017، في سنّ 19 عاماً، نشرت روايتها الأولى "ذا إسكايبينغ فلاشباكس" عن دار الشروق. ولاحقاً حصلت على بكالوريوس في الكتابة الإبداعية عن أطروحتها "تطور السرد القصصي في مصر".
بحسب "فوربس"، لم تجد عصمت في الانتقال من مجالٍ إلى آخر تغييراً جذرياً، إذ ينبع شغفها بالعلوم من الفن. نبّهها تخصّصها بالكتابة إلى ضرورة سدّ الفجوة بين اللغتين العربية والإنكليزية، بهدف تمكين مزيدٍ من الشباب العرب على استعمال لغتهم في المجال العلمي.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، ألقت عصمت محاضرة في قمة الفضاء المصرية، في جامعة النيل بالقاهرة، باللغة العربية، وترجمت المصطلحات العلمية من الإنكليزية إلى العربية.
ولفتت عصمت إلى ندرة الباحثين العرب في الفيزياء الفلكية. وقالت لـ"فوربس": "حتّى عامي الثالث بالجامعة، لم ألتقِ بأي مصري أو عربي في هذا المجال على الإطلاق". وأضافت: "هناك جهد مستمر من قِبل العديد من الأشخاص والمنظمات، لتشجيع المزيد من المصريين والعرب على دراسة الفيزياء الفلكية ومجالات العلوم ذات الصلة، وهذا ما تشتد الحاجة إليه اليوم".